ملعقة عسل وملعقة علقم
تزامنا مع معرض الكتاب فإن أجنحة تطوير الذات وأهل السير والمسيرات، دائما ما تكتظ بالمتصفحين والمنبهرين من صفات هؤلاء الناس وعقول هؤلاء الأفذاذ، الذين وضعوا صورهم المبروزة على صدر الكتاب، كتب تشم من حروفها روائح الإنجاز، وتفوح بين دفتي كتبهم صور البطولة والتفرد في تجاوز المحن والصعاب والفوز على الظروف، ومغالبة سود الأيام والليالي على حد سواء.
حسنا، إن فعل المؤلف أو دار النشر ذلك، فمن حقهم دون شك ولا ينازعهم فيه أحد، لكن مغالاة رواية النجاح تخفي ما نجهله، الذي يقف خلف قصة النجاح، وقد قيل إن للقمر جانبين، لكننا لا نرى الجزء المظلم منه، بينما يمتلئ الفضاء بالحديث عن قوة وقدرة المؤلف، التي لا يملكها أي أحد سواه، هذا إذا ما سلمنا بحقيقة تجربته وأنها واقعية وليست من وحي الخيال أو تتضمن مبالغات.
هناك مثل عظيم أصله بيت شعري يشرح هذا المعنى "لن تنال المجد حتى تلعق الصبرا"، والصبر هو الجزئية التي يجب أن يدركها الجميع أو من يرغب في تحقيق النجاح.
مصدر الإلهام ليس في تحقيق النجاح بل في كيفياته وأدواته ومهارات تحقيقه. إن الجانب المضيء مهم في حكاية أي تجربة، لكن كثيرين يقعون في جب التجربة، يصطدمون بالحقيقة، فينكسرون أمام مواجهة الواقعية مرة الطعم.
كل قصة نجاح خلفها عشرات القصص من المحاولات الفاشلة، إحباطات وإخفاقات، انكسار أحيانا وانهزام وتراجع أحيانا أخر، لكن الفرق أن الناجح لا يقف في منتصف الطريق، لا يستسلم، يستمر ويواصل، يتعثر لكنه ينهض مجددا، يخاف لكن يصمد، ييأس لكن لا يقنط.
لا تسأل الناجحين كيف نجحوا لأنهم لن يجيبوا، ليس لأنهم لا يريدون بل لأن بعضهم قد لا يدرك المعنى العميق للصمود والتحدي، لذا لا تسمع ما يقولون، بل تأمل ماذا فعلوا حتى أصبحوا كذلك.
على مدعي النجاح أن يكفوا عن رواية قصص الخيال، كما أن على الناجحين فعلا والذين حققوا أهدافهم رواية ما عانوه وما مروا به، ووصف طعم ملعقة المرارة التي تجرعوها قبل أن يصلوا إلى ما وصلوا إليه، وهذا الطلب لا ينطبق على من ولد وفي فمه ملعقة من ذهب، لأنه نجح بفضل غيره، وليس من تذوق العسل كمثل من تجرع العلقم.