كيف نتصدى للجوائح مستقبلا؟ «2 من 2»
إن أي نهج عقلاني يجب أن يبدأ بالاعتراف بأن السيطرة على الأوبئة تصب في مصلحة الجميع. ونظرا إلى العجز الواضح للدول الغنية والقوية فيما يتعلق بالوفاء بالتزاماتها أثناء الأزمات، فإن الحل المعقول يتلخص في ضمان القدرة على إنتاج المنتجات المرتبطة بالوباء في كل مكان، وإزالة العوائق المتوقعة التي قد تحول دون قيام الدول بذلك. وهذا يعني الموافقة على تنازل قوي عن الملكية الفكرية، وفرض عقوبات صارمة على أي شركة أدوية تتدخل تدخلا خاطئا في استخدام شركة أخرى للملكية الفكرية المحددة، بما في ذلك الحالات التي يصدر فيها الإنتاج إلى دول ثالثة في العالم النامي.
من أجل السيطرة على التهديدات المستقبلية، يجب نقل بعض التكنولوجيا ذات الصلة الآن، ويجب أن تلتزم الحكومات والشركات بتسهيل أي عمليات نقل إضافية قد تجعلها مسببات الأمراض المستقبلية ضرورية. وينبغي للحكومات أن تمتلك الأدوات والسلطة القانونية اللازمة لإجبار أو حث الشركات الواقعة ضمن ولاياتها القضائية على تقاسم مثل هذه التكنولوجيا، وينبغي أن يكون للدول النامية الحق في رفع دعوى قضائية في حال لم يحدث ذلك. ومع ذلك، فإن آليات التنفيذ العالمية ضعيفة، وشهدنا خلال جائحة كوفيد - 19 انتهاكا للقواعد والمعايير الدولية من جانب دول الشمال العالمي ـ دون أن تترتب على ذلك عواقب. ولهذا السبب من المهم جدا أن نتوافر على قدرات فيما يتعلق بإنتاج الأدوية وتطويرها في الجنوب العالمي.
لا يمكننا أن نثق بقدرة الاقتصادات المتقدمة على توفير التمويل الطارئ عندما يتطلب الوضع ذلك. فمجرد إقناعها بتقديم التزامات مسبقة أثناء المفاوضات الحالية، مهمة صعبة جدا. ومرة أخرى، لكي نسيطر على التهديدات المستقبلية، يتعين علينا أن نعمل على حشد الأموال اللازمة الآن، ووضع قواعد واضحة لتسليمها. حتى لو كان من غير المرجح أن تقدم بعض الحكومات الأموال على الفور -فينبغي للعالم ألا يتوقع شيئا من الجمهوريين في الكونجرس الأمريكي-إذ لا يزال ممكنا صياغة اتفاق ملزم لتسليم الأموال عبر قنوات متعددة الأطراف، مثل بنوك التنمية وصندوق النقد الدولي.
هناك مبدأ تبادل المصالح في هذا الصدد. إذ نظرا إلى أن السيطرة على أي مسبب للأمراض في المستقبل ستتطلب الحصول على بيانات، فإننا نحتاج إلى التزام جميع الدول بتقاسم البيانات. لكن خلال أزمة كوفيد - 19، عوقبت جنوب إفريقيا فعليا عندما حددت متغيرا جديدا من الفيروس: استجابت دول أخرى بفرض قيود ضدها فيما يتعلق بالسفر، مع أنه لم يكن مصدر المتغير واضحا، أو ما إذا كان أكثر انتشارا في مكان آخر. إن ردة الفعل هذه سابقة كارثية يحتمل أن تلقي بظلالها على الوباء المقبل. فلا بد أن يكون لدى الدول حوافز للانفتاح. ويعد ضمان الوصول إلى التكنولوجيات والتمويل في حالات الطوارئ أمرا ضروريا لتحقيق هذا الهدف.
أثناء التصدي لكوفيد - 19، أعطينا الأولوية لأرباح شركات الأدوية على حساب حياة الناس ورفاهيتهم في الدول النامية. لقد كان ذلك غير أخلاقي، ومخزيا، وأدى إلى نتائج عكسية. وما دامت مسببات الأمراض تتفاقم في أي مكان، فسيكون هناك خطر حدوث طفرات جديدة خطيرة تهدد الجميع. ومع خوض أمريكا وحلفائها الأوروبيين معركة لكسب القلوب والعقول في مختلف أنحاء العالم النامي، فقد وضعوا أنفسهم في ورطة وكشفوا عن نقاط الضعف التي تعيب أنظمتهم الديمقراطية. إن ما يراه بقية العالم هو حكومات خاضعة لسيطرة شركات الأدوية الكبرى لدرجة أنها ستعطي أولوية لمصالح هذه الشركات على حساب أمنها الخاص.
يجب أن نمهد الطريق لاستجابة أكثر عدلا وشمولا وعقلانية في المستقبل. وإزاء هذه المهمة العاجلة، كانت اجتماعات الأمم المتحدة الشهر الماضي أقل بكثير من المستوى المطلوب.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2023.