السمكة التي تأتي وحدها
دون شك، صنع الثروة يتطلب العمل والاجتهاد وحسن التخطيط، لكننا أيضا لا نستطيع إنكار إمكانية تحقيقها دون جهد أو تخطيط أو حتى تمهيد. صحيح أن سير الأثرياء تتضمن جهدا وتعبا ومشقة، لكنها تتضمن أيضا فرصا سعيدة لم يترددوا في اقتناصها "وإن كانوا لا يتحدثون عنها خشية التقليل من دورهم في بناء الثروة".
خبراء الاستثمار يحاولون تعليمك كيف تصطاد السمكة، في حين أحاول أنا تنبيهك إلى إمكانية حضور السمكة بنفسها وقفزها لقاربك دون سابق إنذار. سأحاول إثبات وجود علاقة جزئية بين صناعة المال والحظوظ السعيدة، وفي الوقت نفسه، تحذيرك من خطورة الاعتماد على "الفرص والحظوظ السعيدة" حين تفكر بصنع الثروة.
لا أطلب منك الوقوف ساكنا بانتظار حظ خارق ينقلك لمصاف الأثرياء، بل إيجاد حظك بنفسك واقتناص الفرص التي ستمر أمامك أو يعرضها الناس عليك. فهمك للمال يتطلب فهمك لمراحل صناعته واستعدادك للتعامل مع السمكة التي ستقفز ذات يوم إلى "قاربك".
ومن المهم فهم الفرق بين "المصادفة" و"الفرصة" و"الحظ السعيد" وطبيعة نتائجها في عالم المال:
فالمصادفة، ظرف استثنائي يمنحك فرصة صنع الثروة دون بقية الناس. ولأنها "مفصلة على مقاسك" يصعب تكرارها حين تتردد في اغتنامها. حتى لو حاولت ذلك لاحقا.
أما الفرصة، فهي استغلالك للظروف الملائمة لتحقيق مكاسب غير متوقعة. تتطلب سرعة اتخاذ القرار لكونها قصيرة ومؤقتة "كأن يطلب منك صديقك المشاركة في مشروع مربح قبل أن يعرضه على غيرك".
أما الحظ السعيد، فهو الوصف الذي يطلقه عليك الناس حين تحقق مكاسب خارقة. يأتي في الأغلب مع الهمز بعدم الاستحقاق رغم أمنيتهم بتحقيق ذات المكاسب "يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم".
لا توجد حدود دقيقة بين الثلاثة، لكون الصدف الاستثنائية يمكنها إيجاد فرص إيجابية، ينظر إليها الناس كحظوظ سعيدة. وفي حال تم استغلالها بشكل جيد تمنح صاحبها ثروة غير متوقعة تجعلنا نتساءل عن سر ثراء أشخاص أقل منا ذكاء وتعليما.
ورغم صعوبة التحكم في الأقدار غير السعيدة "كأن تولد لأسرة فقيرة" يمكنك إيجاد فرصك بنفسك من خلال: وجودك في المكان الملائم، والتوقيت المناسب، والاستعداد المسبق، وبناء العلاقات المثمرة. كما يمكنك رفع مستوى حظوظك بسرعة المبادرة، ودقة الملاحظة، ومرافقة الناجحين، ورؤية ما لا يراه بقية الناس.
أما الأهم من هذا كله، فهو عدم الهرب واختلاق الأعذار حين تصادف فرصتك السعيدة في الحياة. فهذا مع الأسف ما يفعله 99 في المائة من الناس حين يتفاجؤون بالسمكة الوحيدة التي تقفز للقارب.