الدور المتنامي للذكاء الاصطناعي في قطاع الطاقة
خلال الأعوام الأخيرة زاد استخدام الذكاء الاصطناعي والتقنيات الرقمية الأخرى في صناعة النفط والغاز بشكل كبير، ومن المتوقع أن يستمر هذا الاتجاه خلال العقود المقبلة. إن التكامل السريع بين الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي في قطاع الطاقة، يفتح آفاقا كبيرة لصناعة النفط والغاز. بالفعل، تم توثيق التحول الرقمي في قطاع النفط والغاز بشكل جيد، حيث يتبنى جميع شركات الطاقة الكبرى تقريبا الذكاء الاصطناعي، وغيره من التقنيات المبتكرة لتحسين عملياتها. في الأعوام الثلاثة الماضية وحدها، تم تقديم وتسجيل أكثر من 523 ألف براءة اختراع في مجال صناعة النفط والغاز، وفقا لتقرير آفاق تكنولوجيا البيانات العالمية حول الذكاء الاصطناعي.
ينظر إلى الذكاء الاصطناعي الآن على أنه عامل تغيير في صناعة النفط والغاز، حيث يستخدم لتقليل التكاليف التشغيلية، تحسين الاستدامة، وتسريع العمليات. وفقا لبعض الدراسات، من المتوقع أن يزداد استخدام الذكاء الاصطناعي في قطاع النفط والغاز بمعدل نمو سنوي مركب يقدر بأكثر من 10 في المائة بين 2022 و2027، مدفوعا بالحاجة إلى خفض تكاليف الإنتاج والصيانة، ارتفاع الطلب على معايير الأمان والسلامة، زيادة تبني التقنيات المتقدمة في القطاع، وارتفاع الاستثمارات والابتكار السريع في تطبيقات الذكاء الاصطناعي.
وأظهر استطلاع أجرته شركة إرنست ويونج أخيرا، أن 92 في المائة من شركات النفط والغاز تستثمر في الذكاء الاصطناعي أو لديها خطط للقيام بذلك خلال الأعوام الخمسة المقبلة. وتقدر الشركة حجم الذكاء الاصطناعي في سوق النفط والغاز في 2023 بنحو 2.4 مليار دولار، ومن المتوقع أن يصل إلى 4.2 مليار دولار بحلول 2028، أي بمعدل نمو سنوي مركب قدره 12.0 في المائة. بالفعل، دمج الذكاء الاصطناعي في قطاع النفط والغاز لديه القدرة على إحداث ثورة في العمليات، وتحسين استخراج الموارد، وتعزيز السلامة.
تعد أرامكو من الشركات الرائدة في المجال الرقمي، وتستغل منطقة الذكاء الاصطناعي ضمن مركز الثورة الصناعية الرابعة في إحداث نقلة في قطاع النفط والغاز. وتستهدف الشركة من تطبيق تقنيات الثورة الصناعية الرابعة مثل الروبوتات، تعزيز السلامة والكفاءة التشغيلية، مع العمل على الحد من الانبعاثات. على سبيل المثال، أسهم برنامج الذكاء الاصطناعي للشركة في جمع البيانات وتحليلها في التمييز بين حرق المواد الهيدروكربونية والمواد غير الهيدروكربونية، ما يساعد المشغلين على معرفة متى ينتج غاز الهيدروجين من الآبار، بدلا من الميثان، ما يتيح استخلاص غاز الهيدروجين واستخدامه بدلا من حرقه.
يمكن تطبيق الذكاء الاصطناعي بعدة طرق في صناعة النفط والغاز، مثل مراقبة السلامة وتحسينها، أو زيادة الأداء التشغيلي، أو تقديم رؤى وتوقعات. يمكن أن يؤدي أيضا إلى تحسين إدارة سلسلة التوريد بشكل كبير، مع إمكانية تقليل الأخطاء بنسبة تراوح بين 20 و50 في المائة. وينظر إلى هذا على أنه ذو أهمية متزايدة في أعقاب اضطرابات سلسلة التوريد في أثناء جائحة كورونا وبعدها، التي شهدت زيادات في التكلفة والوقت.
كما هي الحال في مجالي النفط والغاز، يتم اعتماد الذكاء الاصطناعي في مشاريع طاقة الرياح والطاقة الشمسية وغيرها لتحسين الكفاءة من خلال قدر أكبر من التشغيل الآلي. في الوقت الذي تتطلع فيه شركات الطاقة إلى رقمنة عملياتها، فمن المرجح أن يلعب الذكاء الاصطناعي دورا رائدا في تحول الطاقة في المستقبل.
في الأعوام الأخيرة، اعتمدت صناعة الطاقة تقنية الذكاء الاصطناعي لدعم اتخاذ القرار الآلي والمساعدة في اتخاذ القرار. الأول هو عندما تقوم أنظمة الكمبيوتر بمعالجة المعلومات بشكل مستقل، دون تدخل بشري. ويعني هذا في الأغلب أنه يمكن إكمال المهام بشكل أسرع وأكثر كفاءة مما يتطلبه الأمر عندما يحتاج الأمر إلى قرار بشري، حيث يمكن للآلة إجراء تغيير فوري. ومع ذلك، يتطلب بعض المشكلات تدخلا بشريا أكبر لتحديد الاستجابة الصحيحة، وفي هذه الحالة، يمكن أن تكون المساعدة على اتخاذ القرار مفيدة.
يلعب الذكاء الاصطناعي أيضا دورا رئيسا في التوقعات المستقبلية. يمكن أن يساعد استخدام الخوارزميات المعقدة الشركات على تحديد مستوى المخاطر التي ينطوي عليها مشروع جديد للطاقة، وتوقع إنتاج الطاقة من أنواع مختلفة من المصادر المتجددة في ظروف مختلفة، والتنبؤ بالطلب على الطاقة في أوقات مختلفة من اليوم وفي مواقع مختلفة.
يمكن للتكنولوجيا التي توفر المراقبة والتقييم المستمرين أن تساعد الشركات على منع حالات الفشل أو الحاجة إلى إيقاف العمليات، من خلال توقع التحديات المحتملة والاستجابة لها على الفور. على سبيل المثال، يمكن أن يساعد استخدام نماذج الطقس، البيانات التاريخية، ومعلومات الطقس في الوقت الفعلي، الشركات على التنبؤ بموعد حدوث عاصفة أو موجة حارة لتكييف عملياتها للاستعداد إلى التغير في الطقس.
إحدى الطرق الرئيسة التي سيدعم بها الذكاء الاصطناعي التحول الفاعل للطاقة هي من خلال إدارة الشبكة، حيث يستخدم الذكاء الاصطناعي تحليلات البيانات لتقدير مستوى استهلاك الطاقة عبر المنازل في أي منطقة معينة. ويأخذ في الحسبان مجموعة متنوعة من العوامل مثل الوقت من العام، وأوقات الذروة وخارجها، والظروف الجوية. يمكن أن يساعد ذلك شركات الطاقة على أن تكون على دراية مستمرة بالاستخدام المحتمل للكهرباء في الأيام المقبلة، وإدارة الشبكة وفقا لذلك وتجنب انقطاع التيار الكهربائي. ويمكن أيضا تغيير الإنتاج استجابة لتوقعات الاستخدام لتلبية الطلب وتجنب الهدر. إن نشر تقنية الذكاء الاصطناعي في مختلف مجالات عمليات الطاقة يمكن أن يؤدي أيضا إلى تعزيز ممارسات الصيانة بشكل كبير.
بالفعل، تجري عملية رقمنة قطاع الطاقة على قدم وساق، حيث تقوم جميع شركات النفط والغاز والطاقة المتجددة تقريبا، بدمج مجموعة واسعة من التقنيات المبتكرة في عملياتها، من أجل زيادة الكفاءة واستقرار الإنتاج وخفض التكاليف. تسمح تقنيات الذكاء الاصطناعي لشركات الطاقة بالتنبؤ بمجموعة من السيناريوهات، وضمان إنتاج طاقة موثوق بها للمستهلكين، والتكيف مع التغييرات المتوقعة، وفي الوقت الحقيقي، لتهيئة الظروف المثلى للإنتاج.