رسائل متوحشة
في مقابل غزة وجميع القوى الفلسطينية المسلحة فيها، دولة الاحتلال ليست بحاجة إلى مساعدات للقضاء عليها، فهي أقوى وأكثر تفوقا عسكريا في المنطقة كلها، هذا ليس سرا وقد عملت القوى الغربية بجهد دائم لاستمرار هذا التفوق بدعم تل أبيب وتحجيم خيارات الدول العربية في الحصول على التقنية بما فيها الأسلحة، لذلك لا يمكن تفسير الدعم الأمريكي والأوروبي الهائل لإسرائيل بهدف القضاء على حماس عن طريق تحويل غزة إلى أرض محروقة على المدنيين وتهجيرهم قسريا إلى مناطق محددة ثم استهدافهم بالقتل.
يكرر الرئيس الأمريكي بايدن، وتردد وراءه كل عربات القطار الغربي أن دولة إسرائيل وجدت لتبقى، وتبقى متوفوقة عسكريا وأن أمنها من الأمن القومي الأمريكي الغربي، بسبب هجمات محدودة صورت على أنها عظيمة وضد مدنيين هم في الأساس مستوطنون مسلحون مغتصبون للأرض، وفي الخطاب الإعلامي الأمريكي الأوروبي اختفت حتى عبارات "مسكنة" مثل الدعوات لضبط النفس وإبداء القلق التي تعودنا عليها، لتصبح رفضا قاطعا معلنا لوقف إطلاق النار، بل التشجيع على مزيد من الإبادة الجماعية للفلسطينيين في غزة ولا مانع من ضرب في رفح وغيرها.
تخلت أمريكا والدول الأوروبية عن شعاراتها الديمقراطية حتى في داخل بلدانها وضد جماعات من شعوبها أبدت رفضها للجرائم الإسرائيلية ضد المدنيين، ليصبح انتقاد وحشية الكيان الإسرائيلي جريمة، والتعاطف مع الأطفال الفلسطينيين هو الآخر جريمة، تبخرت حقوق الإنسان وحقوق التعبير حتى في وسائل إعلامهم بشكل ممنهج لتظهر الوجه البشع الحقيقي لهم.
هجمة الغرب غير المسبوقة وتردد كبار المسؤولين الأمريكيين والأوروبيين على تل أبيب ودعمها بكل الوسائل رغم تفوقها الهائل يحمل رسائل متوحشة ضد العرب، عنصرية ضد العرب ونظرة دونية لا تختلف عن النازية والفاشية.
السؤال المهم الذي يجب التفكير في إجابات شافية عنه، كيف يمكن التعايش مع من يقود الغرب من أحزاب وحكومات ونخب سياسية واقتصادية وثقافية وإعلامية، وهم ينظرون للعرب هذه النظرة العنصرية الفوقية التي تحرس وتشجع إبادة جماعية في القرن الـ21؟ ويتفرع من السؤال سؤال آخر كيف ستنظر وتتعامل الأمم الأخرى، خصوصا من جيران العرب لهم بعد هذا التصنيف الغربي الدوني؟
لقد استغلت الإدارة الأمريكية عملية طوفان الأقصى لتعلن للجميع أنها القطب الوحيد والمتصرف المهيمن على هذا العالم، فرعون العصر... لا أريكم إلا ما أرى.