إصلاح الإدارة الاقتصادية العالمية «2 من 2»

عندما يتعلق الأمر بالحجم الكبير، فإن المفتاح إلى تحقيق هذه الغاية ليس مجرد حشد مزيد من الأموال بالاقتراض من الدول الغنية، مع كل ما يترتب على ذلك من مشكلات معروفة، بل يكمن المفتاح في تعزيز إيرادات الأسواق الناشئة والدول النامية. بيد أن الترتيبات الدولية القائمة تعمل فعليا على إعاقة هذه الحتمية الملحة.
لنتأمل هنا "إطار تآكل القاعدة الضريبية وتحويل الأرباح" التابع لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. كان الأمل أن يساعد هذا الإطار في حمل الشركات الغنية على دفع حصتها العادلة من الضرائب في الدول، حيث تعمل. يمنح "نظام سعر التحويل" السائد الشركات متعددة الجنسيات مجالا شديد الاتساع لتسجيل الأرباح في أي ولاية ضريبية تفضلها. لكن إصلاحات إطار تآكل القاعدة الضريبية وتحويل الأرباح المقترحة -حتى لو جرى تبنيها بشكل كامل، وهو ما يبدو أمرا غير مرجح- تبدو محدودة الأثر، ولن تزود الدول النامية إلا بقدر إضافي محدود من الإيرادات في أقصى تقدير. الأمر الأسوأ من ذلك هو أن عملية تسوية المنازعات البغيضة بين المستثمرين والدول -التي تسمح للشركات متعددة الجنسيات بمقاضاة الحكومات عندما تدخل تغييرات تنظيمية قد تضر بالأرباح- أدت إلى فرض مزيد من القيود على الموارد المتاحة للأسواق الناشئة والدول النامية، حتى في حين تعمل على إعاقة الجهود التي تبذلها في الاستجابة للتحديات البيئية والصحية.
ثم هناك نظام جوانب حقوق الملكية الفكرية المرتبطة بالتجارة التابع لمنظمة التجارة العالمية، الذي أدى إلى الفصل العنصري في مجال اللقاحات، فضلا عن الوفيات غير الضرورية، وشغل أسرة المستشفيات، والأمراض في العالم النامي أثناء الجائحة "فزاد بالتالي من النفقات وعمل على خفض الإيرادات". وهذا النظام مصمم لملء خزائن الشركات متعددة الجنسيات بالعائدات على الملكية الفكرية من دول العالم النامي لمدة طويلة في المستقبل. الواقع أن بنية الاتفاقيات التجارية بالكامل حافظت على أنماط التجارة الاستعمارية الجديدة، حيث تظل الدول النامية عالقة في إنتاج السلع الأولية في الأغلب الأعم، في حين تهيمن الدول المتقدمة على روابط القيمة المضافة العالية في سلسلة الإنتاج العالمية.
كل هذه الترتيبات المعيبة يمكن تغييرها، بل يجب أن تتغير. والقيام بهذا من شأنه أن يزود الدول النامية بالموارد التي تحتاج إليها للاستثمار في التخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معه، والصحة العامة، وبقية أهداف التنمية المستدامة.
لعل التحسن الأكثر أهمية الذي طرأ على البنية المالية العالمية يتمثل في الإصدار السنوي لنحو 300 مليار دولار في هيئة حقوق السحب الخاصة "حقوق السحب الخاصة هي الأصول الاحتياطية الدولية التي يصدرها صندوق النقد الدولي"، التي يستطيع الصندوق "طباعتها" متى شاء إذا وافقت الاقتصادات المتقدمة. في ظل الوضع الحالي، يذهب القسم الأعظم من إصدارات حقوق السحب الخاصة إلى دول غنية "أكبر المساهمين في صندوق النقد الدولي" لا تحتاج إلى الأموال، في حين يمكن للدول النامية أن تستخدمها للاستثمار في مستقبلها أو سداد ديونها "بما في ذلك الديون المستحقة لصندوق النقد الدولي".
لهذا السبب، يتعين على الدول الغنية أن تعمل على إعادة تدوير حقوق السحب الخاصة المصدرة لمصلحتها عن طريق تحويلها إلى قروض أو منح للاستثمار في العمل المناخي في الدول النامية. رغم أن هذا يجري بالفعل على نطاق محدود من خلال صندوق المرونة والاستدامة التابع لصندوق النقد الدولي، فإن توسيع نطاقه بدرجة كبيرة وإعادة تصميمه لتحقيق عائد أكبر مقابل المال أمر ممكن. أفضل ما في هذا النهج هو أنه لا يكلف الاقتصادات المتقدمة أي شيء حقا. وما لم يكن صاحب القرار خاضعا لسطوة أيديولوجية مضللة، فلا يوجد أي سبب قد يحمله على معارضته.
رغم أن فكرة عرض حوافز أفضل على القطاع الخاص "وهذا تعبير ملطف للرشا" خضعت لمناقشات شاملة، فلم يتحقق سوى قدر ضئيل للغاية من التقدم، ومن غير المرجح أن تفضي الرسوم الجمركية وغير ذلك من القيود المفروضة على السلع المستوردة الضارة بيئيا -كتلك التي تفرضها أوروبا الآن وتهدد بزيادتها في المستقبل- إلى جلب ذلك النوع من التعاون المطلوب.
على هذا، فإن الاستراتيجية الأفضل -وربما الوحيدة- لضمان قيام الدول النامية والأسواق الناشئة بما يجب عليها من عمل، إذا كنا راغبين في تجنب كارثة مناخية، هي البدء بتصحيح بعض المظالم العالمية التي حدثت في الماضي، وتوليد قدر أعظم من الدخل والتمويل الميسر للدول النامية.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2023.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي