مستقبل الاستثمار واتجاه البوصلة الجديدة
عقدت في الرياض، نهاية الأسبوع الماضي، الدورة السابعة لمبادرة مستقبل الاستثمار تحت عنوان "البوصلة الجديدة"، وشارك في الاجتماعات نحو ستة آلاف مشارك من 90 دولة. وبلغ عدد المتحدثين أكثر من 500 متحدث من داخل السعودية وخارجها.
قبل الحديث عن اتجاه البوصلة الاستثمارية الآن، والشروط التي يجب توافرها في الدول التي يتوقع أن تتجه إليها البوصلة، أود الحديث عن الماضي، انطلاقا من خبرتي الشخصية في أكبر كيان استثماري عربي آنذاك، قامت السعودية والكويت بالدعوة والعمل على تأسيسه على شكل شركة حكومية 1974، أسهمت فيها معظم الدول العربية، واعتبرت أول تجمع للعمل العربي المشترك في المجال الاقتصادي، وقد استثمرت في مشاريع كبيرة على امتداد الوطن العربي.
حقق بعضها النجاح المأمول، بينما لم تحقق مشاريع أخرى هذا النجاح، بسبب غياب الاستقرار السياسي والاقتصادي، وتدخل السلطات المختصة في الدول التي تقع فيها تلك المشاريع بشكل سلبي في تعيين المديرين وفرض غير المؤهلين، ما أدى إلى تعثر بعض المشاريع، وبالتالي توجيه بوصلة الاستثمار إلى دول أخرى يتوافر فيها الاستقرار والتعامل المهني مع المستثمرين الذين يقدمون أموالهم وجهدهم ويضعون خططهم وتوقعاتهم لنتائج استثماراتهم على أسس علمية، تقوم على دراسات الجدوى بعيدا عن أي تدخلات سلبية لا تمكنهم من تحقيق أهدافهم. وهذا النجاح للمستثمر هو الضمانة لتحقيق الفائدة لدولة المقر، بتوظيف الأيدي العاملة المواطنة، وتعزيز الاقتصاد الوطني، ونقل التقنية، وهذه الأهداف المأمولة لأي استثمار ناجح.
عودة إلى اتجاه البوصلة الجديدة، أقول إن بلادنا تأتي في مقدمة دول العالم الجاذبة للاستثمار، لأسباب عديدة، أهمها: الاستقرار السياسي والاقتصادي في ضوء رؤية واضحة المعالم ومحددة الأهداف، وبيئة استثمارية متجددة، وتشريعات محدثة، وسوق محلية كبيرة وواعدة، وحوافز متخصصة للقطاعات المستهدفة. وتضاف إلى ذلك، مبادرات متنوعة تهدف إلى تسهيل الإجراءات، وتحسين تنافسية المملكة عالميا، وسهولة في التعاملات الحكومية الإلكترونية وسرعتها منذ التقدم للحصول على تأشيرة الدخول إلى كل الطلبات والتعاملات التي يحتاج إليها المستثمر والزائر. ويبقى بعد ذلك ما هو أهم، وهو التميز المشهود للكوادر البشرية السعودية التي استفادت من استثمار الدولة فيها عبر برامج التعليم والتدريب المتقدم الذي أنتح عقولا مواطنة تقود هذا الحراك التنموي في كل مفاصله، إلى جانب ارتفاع نسبة الشباب من السكان وتفوقهم المشهود في العلوم الحديثة، وبالذات التقنية، التي أصبحت من أهم أسباب سرعة تنفيذ الأعمال.
أخيرا، موقع بلادنا بين القارات يجعلها من الدول الجاذبة للمصانع، ولمكاتب الشركات العالمية الكبرى، حيث يسهل التصدير منها إلى كل دول العالم، في ظل توافر الخدمات اللوجستية الحديثة. ولهذا السبب دخلت استثمارات كبيرة ومهمة السوق السعودية، ومن أهمها مصنع لوسيد للسيارات الكهربائية، ومصنع Aspace للأقمار الاصطناعية، وتوطين الصناعات المهمة، مثل الصناعات العسكرية التي توالت إعلانات استقطاب الاستثمارات فيها، وكذلك تسابق عديد من المصانع الكبرى المتعلقة بالأمن الغذائي أو المواد الاستهلاكية النوعية والصناعات المتقدمة على وجودها في المناطق الصناعية التي هي الأخرى لها إسهام فاعل في استقطاب الاستثمارات عبر حزمة الحوافز التي تتيحها مع المناطق الاقتصادية الخاصة والخدمات اللوجستية المرتبطة بها. تضاف إلى ذلك استثمارات مهمة في مجال صناعة الدواء لتحقيق الأمن الدوائي، الذي عايشت الدول خطورة احتكار الدول المصنعة والمصدرة له أثناء أزمة كورونا، جعلت حتى القادر على الشراء أحيانا لا يتلقى ما يطلب في الوقت الذي يحتاج إليه.
الخلاصة، أن بوصلة الاستثمار الجديدة تشير الآن إلى الاتجاه الصحيح لبلاد تتوافر فيها جميع مقومات الأمن والاستقرار ومرونة الأنظمة.