تأثيرات الحرب الاقتصادية
تطورات الحرب بطبعها دائما صعبة، خاصة أن مرحلة الحرب البرية لم تبدأ عند كتابة هذا العمود. لن أتعرض لكثير من الأرقام هنا، والتي تعد مادة التحليل الاقتصادي عادة، لأن الحرب لم تنته من ناحية، وبسبب أهمية التأثيرات غير المباشرة من ناحية أخرى. للحرب أربعة أصناف من التأثير الاقتصادي: الأول، مادي مباشر في الخسائر البشرية المباشرة والتدمير المباشر للأصول المادية، مثل البنية التحتية والمباني والمصانع حتى المزارع. الثاني، في سيطرة حالة من عدم اليقين على عديد من المناطق القريبة من ميدان الحرب، التي في الأغلب ليست طرفا في الحرب. الثالث، يتمثل في إعادة هيكلة الأولويات في اقتصادات الدول ذات العلاقة المباشرة وغير المباشرة. الصنف الرابع والأخير، يأتي في التفكير في الفرصة البديلة ـ ماذا لو صرفت تكاليف الحرب على التطوير الاقتصادي والمعيشي في هذه المجتمعات!
الصنف الأول لن يضاهي أحد خسائر غزة لعدم توازن القوى، فالخسائر البشرية اختلط فيها المدني والعسكري، خاصة أن أغلب البنية التحتية لا يمكن أن تكون مدنية أو عسكرية بالكامل، وهذا ينطبق على خصمهم، لكن بدرجة أقل بسبب اختلاف مؤثر في توازن القوى والدعم.
قدر خصم غزة تكلفة الحرب بنحو 245 مليون دولار يوميا. لا يمكن اختصار تكلفة الحرب في اقتصاد غزة برقم مشابه، لكن كنسبة من الدخل القومي لا بد أنه أضعاف خصمهم. الصنف الثاني في حالة عدم اليقين يتمثل في رفع تكاليف التأمين ونسب الفائدة "تكلفة رأس المال مقارنة بالعالم الآخر ـ ارتفاع هذه التكلفة يضعف الربحية والتنافسية"، وتأخير بعض الاستثمارات وربما إلغاؤها والانصراف إلى مناطق أخرى من العالم. هذا عامل جدا مهم لأنه سيوسع الفجوة التنموية بين دول المنطقة والمناطق الأخرى من العالم، ما قد يرفع فرص النزاعات مستقبلا.
الصنف الثالث يتمثل في أن دولا كثيرة ستزيد حصة الدفاع والأمن من ميزانياتها على حساب الإنفاق على البنية التحتية والصناعات المدنية الواعدة والرفاهية الاجتماعية وتقليل الفقر في كثير من دول المنطقة. لا بد من التنويه أيضا بأن أغلب دول المنطقة، خاصة القريبة من غزة، تعاني أزمة مالية ومعضلة اقتصادية مزمنة على مدى عقود. لذلك أي تأثير مباشر سيكون مضاعف التكلفة. لكن أيضا لا بد من الإشارة إلى أن بعض الدول تستطيع استغلال الأزمات في إدخال صناعات وتقنيات جديدة، وأحيانا التوصل إلى نماذج اقتصادية جديدة تدمج بين المدني والعسكري، فكثير من التقنيات مزدوجة الأغراض، مثل الإلكترونيات وصناعة المواد حتى الصناعات الفضائية والبرمجيات. في الأغلب هناك دول كثيرة تسعى في هذا التوجه بدرجات مختلفة من الالتزام والدقة والنجاح.
الصنف الرابع ربما أصعبها في التقييم، لأنه من ناحية افتراضي، ومن ناحية أخرى يشترك في بعض الأصناف الأخرى، خاصة الثالث والثاني. ربما أهميته في التذكير بمدى الحاجة إلى الخوض في الخيارات الاقتصادية الممكنة بدقة أكثر، ومراجعة العلاقة بين الإنتاج والاستهلاك والتكاليف التشغيلية وخيارات الاستثمار وفرزها بشفافية وحجم الدين وجودة الحوكمة لأغلب دول المنطقة. التأثيرات الاقتصادية في دول المنطقة ستختلف بسبب درجة العلاقة مع الحرب، ونقطة البداية وخيارات السياسة العامة، لكن الحروب تاريخيا نقاط تحول مهمة. فمثلا، ليس هناك تأثير في قطاع الطاقة، ودليل ذلك أسعار النفط.