"وادي الذئاب المنسية" .. التعايش الذي لا يعرفه البشر

"وادي الذئاب المنسية" .. التعايش الذي لا يعرفه البشر
"وادي الذئاب المنسية" .. التعايش الذي لا يعرفه البشر
"وادي الذئاب المنسية" .. التعايش الذي لا يعرفه البشر

في عالم مألوف ومتوازن، يقدم لنا الكاتب عمرو عبد الحميد رواية "وادي الذئاب المنسية- أرض زيكولا 3" التي تحمل في طياتها رسائل قوية عن الصداقة والتحديات والتعايش مع الآخرين. وتأخذنا في رحلة ملحمية فيتواجه الخير والشر ويصارع كل منهما للسيطرة على الأرض، كما يتعمق الكاتب في قضايا العدالة والسلطة والحرية في هذا العالم الخيالي، مقدما صورة واقعية للنظام الاجتماعي والسياسي في هذه الأرض المسكونة بالذئاب والملديون، فكيف يتعامل البشر مع تلك الكائنات والتحديات التي تواجههم!

البدايات..

تنطلق أحداث الرواية من قرية البهو فريك في 1921 مع موسى الذي يبلغ من العمر 18 عاما، ويمتلك كثيرا من الأحلام وأحدها حلمه بأن يبيع أرضه وأن ينتقل للعيش في القاهرة. لكنه في يوم من الأيام، يفاجأ برجال الهجانة الذين يفرضون سيطرتهم على القرية، قبل أن ينصدم باختفاء هذه المجموعة، وبعد اكتشافه آثار أقدام يلحق بها وتوصله إلى طاحونة قديمة، التي بدورها تحمل سرا غامضا، مرة يراها قديمة ومندثرة ومرة أخرى يراها تعمل بشكل جيد وكأنها لم تهجر قط. وذات يوم عندما يقرر موسى العودة إلى الطاحونة حاملا فأسه، يراها تعمل وتخرج منها أشلاء جنود الهجانة الذين اختفوا من قبل، ويهاجمه ذئب شرس لكنه ينجح في قتله، يصاب بالجنون ويفقد عقله، ويحمل الذئب على ظهره ولا يسمح لأحد بلسمه، حتى يلقبه أهل القرية بـ"الشيخ موسى"، حيث إنه لم يفارقه الذئب حتى عندما توفي، إذ دفن معه في القبر نفسه. تتغير حياة موسى تماما عندما يلتقي بالذئب، وتحدث له تحولات كبيرة وتبدأ رحلته الخطيرة والمليئة بالمفاجآت. فتنطلق الرواية في توضيح تفاصيل عن هذا العالم الساحر، حيث تتقاطع قصص الشخصيات معا وتتشابك.

شخصيات الرواية

الى جانب شخصية "موسى" وهو شاب كان يعيش في قرية البهو فريك في الماضي، ومن عنده تبدأ كل الأحداث، لكونه السبب في وصول الذئب إلى القرية، هناك شخصية خالد حسني بطل الرواية ابن الـ40، الذي يعيش حياة مستقرة مع زوجته "منى" وابنه "يامن"، لكن هذا الاستقرار لم يدم طويلا، حيث يصاب ابنه بلعنة يعود أصلها إلى عالم زيكولا ما يضطره للعودة من جديد إلى مغامراته المعهودة في سبيل إنقاذ ابنه. أما "مروة" فهي باحثة في علم الحفريات، تلجأ لـ"خالد" ليساعدها على استخراج عظام ذئب رهيب مدفون في القرية وتصر على مرافقته إلى وادي الذئاب المنسية لتعرف قصة هذا المخلوق الرهيب. أما "نوح" فهو بطل الخط الثاني من الرواية في هذا الجزء، الذي بدوره يعود إلى عالم زيكولا لإنقاذ حبيبته "ناي" ومحاولة علاجها وبعثها من الموت بعد أن قتلت على يد البشر.
كذلك هناك الملك تميم، ملك أماريتا الذي لم تسلم بلده أيضا من لعنة الذئاب، ويسافر إلى وادي الذئاب المنسية بحثا عن حل، فيتزوج من "أسيل" حبيبة "خالد" السابقة والتي يهاجمها أحد الذئاب وتنجو منه بأعجوبة، أما "سارة" فهي سيدة تساعد "نوح" في رحلة بحثه عن علاج لـ"ناي" في ذلك الوادي.

علاقة موسى بخالد

وتمر الأعوام ويعود بنا الكاتب إلى الزمن الحالي، حيث يشارك "خالد" صورة لجده مع رجال القرية ويظهر في خلفيتها "موسى" حاملا ذئبه على موقع فيسبوك، فتراسله "مروة" وهي باحثة في علم الحفريات، التي تعرفت على الذئب، وتكشف لـ"خالد" بأن هذا الذئب من أنواع الذئاب الرهيبة التي انقرضت منذ فترات زمنية طويلة تصل إلى عشرة آلاف عام، وتطلب منه بأن يساعدها على فتح قبر "موسى" لأخذ عينة من عظم الذئب بهدف تحليلها، موضحة بأن هذا الاكتشاف سيكون اكتشافا كبيرا في تاريخ علم الحفريات. لكن "خالد" يفكر بأن هذا الذئب قد يكون من أحد عوالم زيكولا، ولهذا يقرر استخراج الذئب وحده دون علم "مروة" خوفا من أن يكتشف سرداب فوريك ويعرف الجميع عن زيكولا والأراضي التي حولها فيصيبهم مكروها.

لعنة الذئب

لم يكن "خالد" يعرف بأن فتحه للقبر وأخذ عظام هذا الذئب سيصيب ولده بلعنة تجعله دائم المرض، وبعد عرضه على عديد من الأطباء جميعهم عجزوا عن علاجه، يلجأ إلى الروحانيات، ويستعين بروحاني يخبره بأن ابنه مصاب بمس من الجن الذين يحرسون المقابر، ولفك اللعنة يجب إرجاع الذئب إلى أصله، لكن على الرغم من إرجاع "خالد" لعظام الذئب إلى القبر، لم تفك اللعنة، ليستدرك بأن الذئب يجب أن يرجع إلى عالم زيكولا، لكن لهذا الذئب قصة معقدة، ورحلة إرجاعه لن تكون سهلة، وفي ليلة دخوله إلى سرداب فوريك ليرجع الذئب، يفاجأ بـ"مروة" تلحقه، ليضطر بأن يحكي لها عن كل شيء منذ رحلته الأولى إلى أرض زيكولا وصولا إلى اللعنة التي أصابت ابنه، لكنها لم تصدقه حتى يشفطهم السرداب، وهنا تبدأ المغامرة.

أرض مسكونة بالذئاب

يقدم لنا الروائي عبد الحميد في هذا الجزء صورة واقعية للنظام الاجتماعي والسياسي في هذه الأرض المسكونة بالذئاب والملديون، وكيف يتعامل البشر مع تلك الكائنات والتحديات التي تواجههم. لقد نجح في رسم بيئة تتفاعل فيها الأحداث بطريقة غريبة وتتداخل قصص الشخصيات لتصب جميعها في مكان واحد هو وادي الذئاب المنسية، كل له قصته، ويحقق نقلة نوعية بين ماض بعيد وحاضر معاصر، تناغما أدبيا يجعل القارئ مندمجا إلى أقصى الحدود مع شخصيات الرواية القوية وعالمها الغريب الذي صنعه بنفسه، حتى يصدق فعلا أن هناك ذئابا وخرافات ومصادفات تستحق الوقوف عندها والتفكير فيها.
الرواية كتبت بأسلوب سردي شائق وجذاب، ما يجعل القارئ متشوقا لمعرفة ما سيحدث بعد ذلك. الكاتب أتقن فن الحوار ونسج قصة متناغمة تجمع بين التشويق والمفاجآت والحماس، ما جعل القراء متعطشين للاستمرار في قراءة الرواية حتى النهاية. لا تقتصر جاذبية هذه الرواية على محبي الخيال العلمي فقط، بل يمكن لأي شخص أن يستمتع بقراءتها بفضل الأحداث المشوقة والشخصيات القوية والعالم الغريب الذي صنعه الكاتب. إنها رواية تجمع بين التفكير العميق والتسلية المثيرة، وتترك للقارئ كثيرا من الأفكار والتأملات حول الحياة والعالم من حولنا. كما تركت انطباعا عالميا بين الأفراد لكونها سلطت الضوء على الذئاب التي عاشت بسلام مع البشر.

الأكثر قراءة