إطلاق العنان لإمكانات التكنولوجيا الصحية «1 من 2»

خلال الآونة الأخيرة، عادت حالات الإصابة بمرض فيروس كورونا 2019 كوفيد - 19 إلى الارتفاع مرة أخرى، وهذا يشكل تذكرة صارخة بالدروس التي كان من الواجب علينا أن نتعلمها من الموجات السابقة. أغلب هذه الدروس لا تقتصر على كوفيد، بل تنطبق على التهديد الذي تفرضه الأمراض المعدية في عموم الأمر.
لقد أثبتت الجائحة أننا نمتلك القدرات العلمية والتصنيعية اللازمة لتطوير وإنتاج لقاحات آمنة وفاعلة بكميات ضخمة وبسرعة في مواجهة تهديدات جديدة. لكن نجاح لقاحات كوفيد - 19 عكس أيضا 20 عاما من الجهود الدؤوبة التي بذلها العلماء في الأوساط الأكاديمية والقطاع الخاص، وعندما أتت لحظة الحقيقة، كان ضخ الأموال العامة في الوقت المناسب كفيلا بدفع هذا العمل إلى خط النهاية.
لو كانت هناك تكنولوجيا واحدة لعبت دورا محوريا بشكل خاص في هذا الأمر، فهي تكنولوجيا الحمض النووي الريبي المرسال mRNA، التي توفر مستوى من القدرة على التكيف والقابلية للتوسع يجعلها مناسبة تماما لجهود التأهب والاستجابة للجوائح المرضية. وبالفعل، يجري الآن اختبار لقاحات وعلاجات الحمض النووي الريبي المرسال لمجموعة واسعة من الأمراض، وتتواصل الجهود لتوسيع نطاق استخدام هذه التكنولوجيا "من خلال تحسين استقرار درجة حرارتها، على سبيل المثال". وعندما يضربنا الوباء الفيروسي التالي، ستكون لقاحات الحمض النووي الريبي المرسال في الأرجح أول الحلول التي تخرج من البوابات.
وعلى الرغم من أن هذا الإنجاز العلمي أنقذ أعدادا لا تحصى من الأرواح أثناء الجائحة الأخيرة، إلا أن تقاسم الفوائد لم يكن عادلا. فبعد عام واحد من طرح لقاحات كوفيد - 19، كان ما يقرب من 73 في المائة من الجرعات المقدمة محصورا في الدول مرتفعة الدخل وذات الدخل المتوسط الأعلى، في حين وصل 0.9 في المائة فقط منها إلى الدول منخفضة الدخل.
كان هذا التفاوت أشد وضوحا عندما نتحدث عن لقاحات mRNA، التي كانت تستخدم في المقام الأول في دول غنية كانت حريصة على تخزين الإمدادات في مستهل الأمر. من ناحية أخرى، حرصت شركات الأدوية على فرض رقابة مشددة على الترخيص والإنتاج، ما سمح لها بجني أرباح مذهلة.
وعلى هذا فإن درسا آخر مستفادا من الجائحة يتلخص في حقيقة مفادها أن منصة تكنولوجيا الحمض النووي الريبي المرسال لن تحقق كامل إمكاناتها ما لم نتبن نهجا جديدا يؤكد الوصول العادل والمصلحة العامة. وهذا يعني السعي إلى إقامة تحالفات تكافلية بين القطاعين العام والخاص، على أن تكون أفضل تصميما لتقاسم المخاطر والمكافآت.
عندما تستفيد الشركات من الأموال العامة -سواء كانت إعانات دعم، أو ضمانات، أو قروض، أو التزامات شراء، أو عقود مشتريات- يجب أن يكون ذلك مشروطا بعملها على تعظيم القيمة العامة لمثل هذه الاستثمارات. على سبيل المثال، من الممكن أن تضمن شروط التمويل العام لمشاريع البحث والتطوير والإنتاج والتوزيع المرتبطة بالحمض النووي الريبي المرسال، الإتاحة بتكلفة ميسورة، والقدرة على الوصول العادل، وإعادة استثمار الأرباح في الإبداع الصحي. ينبغي لتكنولوجيات الحمض النووي الريبي المرسال، الناتجة عن جهد جماعي، ألا تكون تحت السيطرة القصرية لعدد قليل من الشركات الخاصة، بل ينبغي عدها جزءا من المشاعات الصحية العالمية، وإتاحتها وجعلها في متناول كل من يحتاج إليها.
تظهر مقارنة بين لقاحي أكسفورد ـ أسترازينيكا وفايزر ـ بيونتيك mRNA مدى أهمية توجيه الأمر على هذا النحو. تلقت هاتان الشراكتان تمويلا عاما ضخما -445 مليون دولار لشركة بيونتيك و1.3 مليار دولار لشركة أكسفورد ـ أسترازينيكا- واستفاد كل منهما من التزامات الشراء المسبق الكبيرة. لكن في حين كان التمويل العام لإنتاج لقاح أكسفورد ـ أسترازينيكا مشروطا بتحديد الشركة لأسعار أقل للقاح بغرض تمكين الوصول إليه، فقد سمح لشركة فايزر ـ بيونتيك بتحديد أسعار أعلى، ثم رفضت الشركة الدعوات الموجهة إليها لتقديم اتفاقيات الترخيص ونقل التكنولوجيا... يتبع.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2023.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي