الهجرة القسرية على مر التاريخ
الهجرة القسرية هي التحركات السكانية الإجبارية خشية الأذى والموت، وتنشأ نتيجة الصراعات والحروب أو الكوارث، لكنها تحدث أيضا بسبب الاضطهاد الديني والتطهير العرقي وسلب أراضي الغير دون وجه حق.
وتدخل العبودية والاتجار بالبشر ضمن التهجير القسري، الذي يسلب الإرادة في الإقامة وسبل العيش. وليس أقسى وأمر مما حدث في تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي بين إفريقيا والأمريكتين لأكثر من ثلاثة قرون، وذلك من خلال اختطاف أكثر من عشرة ملايين شخص ونقلهم إلى العالم الجديد. وعلى الرغم من أن هذا النوع من العبودية محظور في الوقت الحاضر، فإن الاتجار بالبشر لا يزال موجودا في بعض الأماكن ويمارس بالخفاء، لكن على نطاق ضيق.
وبوجه عام، ينتج عن التهجير والتطهير العرقي لاجئون يضطرون إلى عبور الحدود الدولية هربا من الحرب والعنف والاضطهاد، وفي بعض الحالات يستطيع اللاجئون العودة إلى ديارهم، وفي حالات أخرى لا يستطيعون، كما هو حال الفلسطينيين في لبنان والأردن وسورية ومخيمات غزة والضفة. وعلى الرغم من أن الأمم المتحدة تستطيع أن تمنح "وضعية لاجئ"، إلا أنها لا تستطيع إعادة اللاجئين إلى ديارهم!
فمنذ الحرب العربية - الإسرائيلية في 1948، تعرض الفلسطينيون للاضطهاد والتهجير الجماعي عديدا من المرات، لكن كان أكثرها تأثيرا موجة الهجرات الجماعية للبلدان المجاورة نتيجة حرب 1967، التي أدت إلى احتلال إسرائيل قطاع غزة والضفة الغربية، والاستيلاء على منازلهم وسلب ممتلكاتهم دون وجه حق. ويعد الفلسطينيون أكبر مجموعة سكانية نازحة عن ديارها في العالم، وتعيش في مخيمات على مدى أكثر من 50 عاما.
ولا يماثل مأساة الفلسطينيين إلا الإبادة الجماعية المروعة، التي حدثت في رواندا في 1994 بسبب الصراع بين مجموعتين عرقيتين هما الهوتو والتوتسي، وأدى إلى نزوح قسري لملايين البشر، الذين أصبحوا لاجئين في البلدان المجاورة.
ومن المآسي التي تشابه وضع الفلسطينيين إلى حد كبير ما تعرض له شعب الروهينجا من الاضطهاد الديني والتمييز العرقي منذ 2012 على أيدي جيش ميانمار، ما أجبرهم على الفرار إلى بنجلادش ودول أخرى مجاورة.
لكن تهجير الفلسطينيين يختلف عن معظم الشعوب التي تعرضت للتهجير القسري، باستثناء التطهير العرقي في رواندا، وكذلك لشعب الروهينجا، ويماثل أو أقسى من نظام الفصل العنصري الذي اتبعته حكومة الأقلية البيضاء في جنوب إفريقيا. ومن الملاحظ أن معظم حالات التهجير والنزوح يكون بسبب الحروب، وإن كانت ظالمة ومؤلمة، لكن ما أن تضع الحرب أوزارها يسمح للنازحين بالعودة إلى ديارهم، لكن هذه الحالة لا تنطبق على الفلسطينيين الذين يهجرون قسرا بكل السبل وأقسى الوسائل، بقصد الاستيلاء على أراضيهم ومنازلهم ومزارعهم دون السماح لهم بالعودة إلى ديارهم. فكم من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وسورية، والأردن، والعراق، وغيرها الذين يتمنون العودة إلى منازلهم التي لا يزالون يحتفظون بمفاتيحها تذكارا فقط. وأغرب من ذلك أن من يقوم بتهجير الفلسطينيين هم شعب يدعي بأنه تعرض لعملية تطهير عرقي ومحارق جماعية! من جانب آخر، تتفرد قضية تهجير الفلسطينيين بأنها تحدث بدعم قوى العالم الكبرى ماليا وتحت حمايتها قانونيا من خلال استخدام المنابر العالمية، مثل مجلس الأمن، والجمعية العمومية للأمم المتحدة، وكذلك محكمة العدل الدولية! ومن الغرابة بمكان أن الدول الداعمة لتهجير الفلسطينيين وسلب حقوقهم في العيش الكريم هي تلك الدول، التي تصدر التقارير السنوية عن وضع حقوق الإنسان في العالم، وتستخدمها لممارسة ضغوط شديدة للنيل من دول العالم الثالث.
وأخيرا، على العالم أن يعترف بالمسؤولية المشتركة، ومعالجة جذور الهجرات القسرية، بدلا من معالجة نتائجها ومحاولة التخفيف من آثارها مع بقاء الداء ينهش في الأجساد، وعليه نبذ المعايير المزدوجة والكيل بمكيالين، امتثالا بالمعاني الحقيقية للكرامة الإنسانية، بدلا من النظر للمصالح السياسية والاقتصادية فقط، وأخشى ما أخشاه أن تزداد الاضطرابات ويزداد العنف والعداء للدول الداعمة للتهجير والتطهير العرقي في فلسطين!