فكر على مدى طويل
لو سألتني عن أسوأ ثلاث ممارسات "في أي استثمار" سأجيبك بلا تردد:
أولا، الاستثمار "بنفسك" في مجال لا تفهمه.
ثانيا، الاستثمار بأموال تحتاج إليها أو تقترضها أو لا تخصك.
ثالثا، السلوك المضاربي القصير، وتجاهل فكرة الاستثمار على مدى طويل.
سأتجاوز أولا وثانيا لأن مساحة المقال لا تسمح بالتفاصيل.
أما ثالثا، فرغم أن المضاربة مفهومة للجميع، تعني في المقابل أن صاحبها لا يدرك أهمية الانتظار والسكون والاستثمار على مدى طويل. جميع كتب الاستثمار تحذر من السلوك المضاربي في كل مجال يخطر ببالك "أسهم، عقارات، فوركس، عملات رقمية... إلخ" وتركز في المقابل على الاستثمار طويل المدى لمدد قد تتجاوز العشرة والـ20 عاما. فمن طبيعة الأسواق الصعود والهبوط، والازدهار والانهيار بطريقة لا يمكن التنبؤ بها. أسواق الأسهم مثلا قد تهبط أو تظل ثابتة لعدة أشهر، ولكن حين تراجعها على مدى "أعوام وعقود" تكتشف أنها تسير دائما بمتوسط صاعد.
خذ كمثال سوق الأسهم السعودية التي ارتفعت بين عامي 1985 و2022 بنسبة 1515 في المائة، وخلال هذه الفترة صعدت في 26 عاما مقابل هبوطها في 10 أعوام، بمتوسط ارتفاع تراكمي صاعد قدره 42 في المائة لكل عام.
بصراحة، لا أتوقع منك البقاء في السوق لمدة 36 عاما، لكنني لا أتوقع منك أيضا الانسحاب قبل 36 شهرا على الأقل تترقب خلالها "أكبر صعود" للخروج من السوق. إن كنت تنوي الخروج أصلا.
طبعا، هناك من سيقول:
لكنني أعرف مضاربين ومديري صناديق يحققون مكاسب عالية من صفقات شبه يومية، فلماذا لا أفعل مثلهم؟
الجواب: لأنك لست متخصصا أو قادرا على التحرك بسرعة مثلهم. أنت في الأغلب من فئة الـ95 في المائة الذين يخسرون أموالهم دائما لمصلحة الـ5 في المائة من الهوامير المحترفين. محاولة تقليدهم لا تختلف عن محاولتك تقليد مهندس أو طبيب أو لاعب مشهور لمجرد أنه يستلم راتبا كبيرا. قدرتك على شراء الأسهم والوحدات الاستثمارية، لا تعني قدرتك على فهم السوق أو التحرك خلال جزء من الثانية "من خلال برامج ذكاء اصطناعي يستخدمها خبراء البورصة".
لهذا السبب، أفضل خيار للمواطن العادي هو شراء البضاعة الجيدة أولا، ثم نسيانها لوقت طويل ثانيا.
نعم، قد تهبط السوق خلال العامين التاليين، لكنك ستكون رابحا في المتوسط العام حين تبقى فيه حتى سن التقاعد أو دخول أبناؤك للجامعة.
يقول وارن بافيت: سماسرة السوق يصنعون أموالهم من خلال التحرك السريع، فاصنع أنت أموالك من خلال السكون لوقت طويل.
أما الفقير إلى الله فيقول:
قدرتك على شراء كرة قدم، لا يعني قدرتك على خوض مباراة في دوري المحترفين.