«أبطال التكنولوجيا الفائقة» .. طريق فرنسا للتحول إلى مركز أوروبا للذكاء الاصطناعي

«أبطال التكنولوجيا الفائقة» .. طريق فرنسا للتحول إلى مركز أوروبا للذكاء الاصطناعي
«أبطال التكنولوجيا الفائقة» .. طريق فرنسا للتحول إلى مركز أوروبا للذكاء الاصطناعي

في تقرير الحالة التكنولوجية الأوروبية لعام 2022، تفوقت فرنسا على المملكة المتحدة كدولة تكنولوجية، وفقا لتصنيف يعتمد القيمة السوقية العامة للتكنولوجيا كمعيار للحكم على المستوى التكنولوجي للدولة.
وعلى الرغم من أن التقرير أشار إلى أن شركات التكنولوجيا الناشئة في المملكة المتحدة تظل الأكثر تمويلا في أوروبا، فإن الاستثمار فيها انخفض بنسبة 22 في المائة.
أمام ألمانيا إحدى الأيقونات العالمية في عديد من الجوانب التكنولوجية، ومن أبرزها قطاع السيارات، فقد شهد انخفاضا في الاستثمارات التكنولوجية بنحو 43 في المائة العام الماضي.
أما فرنسا فقد نجحت في الحفاظ على رقم استثماري في المجال التكنولوجي يتساوى مع استثماراتها في هذا القطاع عام 2021.
لا شك أن جاذبية سوق التكنولوجيا الفرنسية تلعب دورا مهما في هذا التميز مقارنة بمنافسيها الدوليين، فالقيمة السوقية لسوق تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في فرنسا قدرت العام الماضي بنحو 115 مليار دولار، وسط تقديرات أولية بأن تبلغ 195 مليار دولار بحلول عام 2027، كما قدرت الإيرادات التراكمية لمقدمي تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في فرنسا بين عامي 2022 و2027 بما يصل إلى 895 مليار دولار.
تلك الإمكانات الضخمة هو ما يدفع بباريس إلى بذل كل جهد ممكن لوضع نفسها كمركز أوروبا في مجال التكنولوجيا خاصة في الذكاء الاصطناعي، حيث تلقي الحكومة الفرنسية بثقلها وراء قطاع التكنولوجيا سريع النمو، لكن الطريق لا يخلو من كثير من التحديات في ظل منافسة شرسة من كل من المملكة المتحدة وألمانيا ليصبحا مركزا للذكاء الاصطناعي في القارة الأوروبية.
يقول لـ"الاقتصادية"، الدكتور إس.دي أرجون أستاذ الاقتصاد الأوروبي في جامعة برمنجهام "خصصت خطة فرنسا لعام 2030 التي أعلن عنها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في عام 2021 مبلغ 30 مليار يورو لإنشاء ما أطلق عليه (أبطال التكنولوجيا الفائقة في المستقبل)، وأعلن عن رغبته في رؤية 100 شركة فرنسية ناشئة في مجال التكنولوجيا، على أن يبلغ الحد الأدنى لميزانية كل شركة مليار يورو بحلول عام 2030، والعدد الحالي لتلك الشركات يبلغ 26 شركة أي إن فرنسا قطعت ما يزيد قليلا على ربع الطريق لتحقيق الهدف".
ويضيف "من بين تلك الـ26 شركة يقع المقر الرئيس لـ20 منها في باريس، التي تعد معقل الشركات الفرنسية الناشئة خاصة في مجال التكنولوجيا، والتقديرات الراهنة تشير إلى وجود 12 ألف شركة ناشئة في منطقة باريس الكبرى، وهو عدد أكبر من الشركات الناشئة في كل من لندن وبرلين".
ويؤكد أن فرنسا لديها أقوى نمو في عمليات البحث عن الوظائف التي تركز على التكنولوجيا مقارنة بأي دولة أوروبية أخرى، كما أن متوسط راتب مهندس البرمجيات في باريس قبل عامين كان يبلغ 48332 يورو أي أعلى من المتوسط العالمي البالغ 46 ألف يورو.
لم تمنع الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها فرنسا الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا من الحفاظ على تفاؤلها تجاه المستقبل، على الرغم من أن آخر البيانات الاقتصادية تشير إلى أن ثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو نما بنسبة لا تتجاوز 0.1 في المائة في الربع الثالث من هذا العام مقارنة بالربع الثاني، بل إن الصادرات عكست مسارها وانخفضت بنسبة 1.4 في المائة في الربع الثاني من هذا العام.
فمن أين تأتي الشركات الفرنسية الناشئة والعاملة في مجال التكنولوجيا بهذا التفاؤل؟
تقول لـ"الاقتصادية" لويز مينشين الباحثة الاقتصادية "أظهرت شركات التكنولوجيا الفرنسية مرونة بعد جائحة كورونا، فخلال عامي 2020 و2021 زادت إيراداتها بنسبة 23 في المائة لتصل إلى ثمانية مليارات يورو، وهناك اتجاه لأن تصبح تلك الشركات أكثر استهدافا لاحتياجات المستهلكين في مجالات التعليم أو التكنولوجيا الصحية، وبذلك يمكنها أن تتوقع زيادة الطلب على منتجاتها في مجالات كخدمة البرمجيات والتكنولوجيا المالية، وهذا يبث مناخا تفاؤليا لدي المديرين التنفيذيين".
لكن هذا التفاؤل يصطدم من وجهة نظر الخبراء بعدد من العقبات من بينها صعوبة وصول الشركات الناشئة الفرنسية بصفة عامة وفي قطاع التكنولوجيا على وجه الخصوص إلى المهارات الدولية، بسبب الحواجز اللغوية وتعقيدات البيروقراطية الفرنسية، إضافة إلى صعوبة الحصول على تأشيرة عمل فرنسية، وقد عملت الحكومة الفرنسية بضغط من قيادات الشركات الناشئة على تذليل تلك الصعوبات ولو جزئيا، وزيادة جاذبية سوق العمل الفرنسية في مجال التقنيات المتقدمة.
إلا أن تلك التحديات تعد -من وجهة نظر الدكتور بارنيت وارك من معهد الدراسات المالية- أبسط التحديات التي تواجه قطاع التكنولوجيا المتقدمة في فرنسا.
ويقول لـ"الاقتصادية"، "إن هناك أوقاتا عصيبة قد تواجه القطاع التقني الفرنسي تماما كما هي الحال في باقي الدول الأوروبية، فارتفاع معدلات التضخم وتباطؤ تمويل رأس المال الاستثماري وظروف سوق العمل الصعبة، تضع عراقيل أمام تحقيق الأهداف التي أعلنها الرئيس الفرنسي".
ويضيف "تتمثل الميزة التي تتمتع بها فرنسا مقارنة بالدول الأوروبية الأخرى في وجود عدد هائل من البرامج الاستثمارية في مجال التكنولوجيا تدعمها الحكومة، ويمكن لهذه البرامج أن تساعد على إنشاء شركات تكنولوجيا، مع هذا ستظل شركات التكنولوجيا الفرنسية خاصة الناشئة في حاجة إلى شد الأحزمة على غرار نظيرتها الأوروبية والأمريكية".
في هذا السياق يرى بعض الخبراء أن نقطة الضعف في منظومة شركات التكنولوجيا الفرنسية تتمثل في عدم امتلاك فرنسا شركات تكنولوجيا عملاقة على غرار الولايات المتحدة أو الصين، حيث عليها أن تعمل على امتلاك شركتين أو ثلاث يمكن تصنيفها ضمن اللاعبين الكبار على المستوى الدولي، وأن اعتمادها الدائم على النمو المتواصل والسريع لشركات التكنولوجيا الناشئة، لن يجعلها تحقق طموحاتها بأن تصبح مركز أوروبا التقني بشكل حقيقي.
ويكشف تطور قطاع التقنيات الحديثة في فرنسا في الوقت الحالي، أن كلا من الحكومة الفرنسية وشركات التكنولوجيا على وعي تام بأهمية تأسيس عدد من الشركات التكنولوجية العملاقة، لكنهما لم يفلحا حتى الآن في إحداث الاختراق المطلوب لبناء عمالقة تكنولوجيا فرنسية يمكنهم منافسة الشركات الأمريكية والصينية.
في المقابل نجحا عبر التعاون المشترك في تعزيز النظام البيئي التكنولوجي الفرنسي، ما ساعد على إنشاء بنوك استثمار عامة تركز على الاستثمار في المجال التقني، ما يفسر إلى حد كبير نجاح الشركات الناشئة الفرنسية في اجتذاب رؤوس الأموال وتحقيق النجاح المطلوب في الحصول على التمويل الضروري لإنجاح أعمالها، وهو ما يتضح من خلال الأرقام الرسمية التي تشير إلى قيام الشركات الناشئة الفرنسية العاملة في مجال التكنولوجيا بجمع ما قيمته 4.5 مليار دولار في النصف الأول من هذا العام متجاوزة المبلغ الإجمالي الذي تم جمعه في عام 2018.
من جهته، يقول لـ"الاقتصادية"، إس.دي. ديفي الخبير الاستثماري "لا تزال فرنسا متخلفة عن القادة العالميين في مجال التكنولوجيا كالولايات المتحدة والصين واليابان، ففي الولايات المتحدة توجد 644 شركة ناشئة تعمل في مجال التكنولوجيا تتجاوز قيمة الواحدة منها مليار دولار، وهذا العدد من الشركات أكثر من خمسة أضعاف نظيرتها الفرنسية، حتى بعد أن نأخذ الفارق بين عدد السكان في البلدين، كما أن الدعم الحكومي الفرنسي المقدم للقطاع التكنولوجي لا يمكن أن يستمر إلى الأبد".
وتكشف تلك الرؤية أن شركات التكنولوجيا الفرنسية ربما لن تجد أمامها من سبيل لإنشاء شركات عملاقة على غرار "أبل" الأمريكية أو "هواوي" الصينية سوى مزيد من الاندماج مستقبلا، وربما يكون ذلك مدخل فرنسا لمحاولة إيجاد أرضية صلبة تعزز بها دعوتها إلى إقامة شراكة تكنولوجية أقوى مع الولايات المتحدة، إذ سيكون من الصعب إقامة شراكة متوازنة بين ضفتي الأطلسي دون أن يكون لدى الأوروبيين عملاق أو أكثر تكنولوجيا قادر على أن يكون ندا حقيقيا لعمالقة التكنولوجيا الأمريكية.

الأكثر قراءة