استثمار تعاطف الشعوب
تشترك إسرائيل وإيران في ادعاء المظلومية واستغلالها المنابر السياسية والإعلامية العالمية، ثم تستخدمها مبررا لأعمال إرهابية في كل مكان تطوله، لذا لم يكن من المستغرب مسارعة سلطات الاحتلال الصهيونية لإنتاج فيلم وثائقي ليسوق ويرسخ روايتها لأحداث السابع من أكتوبر "طوفان الأقصى"، والترويج لعرضه في وسائل الإعلام الغربية، رغم اعتراف ظهر أخيرا في تحقيق لشرطة الاحتلال مفاده أن طائرات إسرائيلية هي من قصفت ما قيل إنه حفل لمدنيين إسرائيليين اتهمت به فصائل المقاومة الفلسطينية.
فيما يبدو الآن للمراقب العادي أن سلطات الاحتلال الصهيوني في خطابها الإعلامي مرتبكة ومتناقضة، إلا أن مسؤوليها المدنيين والعسكريين لا يوفرون فرصة للظهور في وسائل الإعلام العالمية لتأكيد روايتهم الكاذبة، بل يتجاوزن ذلك إلى تهديد وسائل الإعلام وموظفيها من مذيعين ومراسلين عند حشرهم بسؤال موضوعي باتهامهم بمعاداة إسرائيل وتأييد "الإرهاب". الحاضنة الغربية السياسية والإعلامية لسلطات الاحتلال الإسرائيلية ـ في واشنطن وعواصم أوروبا ـ تقوم بكل ما من شأنه إعادة ترسيخ "المظلومية" الإسرائيلية، وأنها حقيقية وليست مفتعلة ومزيفة بالحذف والكتم، ولدى إسرائيل وصهاينة اليهود تاريخ حافل طويل في استغلال الإعلام فلا يمر فيلم أو مسلسل أو رواية غربية إلا وتحشر فيها إشارات عن معاداة السامية والمحرقة التي تعرض لها بعض اليهود في ألمانيا النازية، استدرارا للتعاطف على مدى عقود رسخت المظلومية اليهودية، حيث تسوق الأخيرة مبررا لتقوم سلطات الاحتلال الإسرائيلية ماضيا وحاضرا بالانتقام لها من الفلسطينيين والعرب الحلقة الأضعف.
في مقابل هذا لم تلق مبادرات الفلسطينيين والعرب المتتالية وما احتوته من تنازلات لإحلال السلام وحل الدولتين اهتماما فعليا لدى الغرب المهيمن، كما لا يذكر لدولة الاحتلال منذ نشأتها أن قبلت بحلول ولا مبادرات سلام أو قرارات الأمم المتحدة، وعلى اختلاف الحكومات في تل أبيب من يمين ويسار وصقور وغربان بقي قادة الكيان الصهيوني ثابتين على مبادئهم لا يختلفون فيما بينهم إلا على وسائل الاستمرار في الاحتلال وقتل فكرة وجود فلسطيني ودولة قابلة للحياة يستحقها هذا الشعب المنكوب.
وحشية سلطات الاحتلال باستخدام كل الأسلحة المحرمة في قصف المساجد والمدارس والمستشفيات حركت أصحاب الضمائر الحية في العالم، لكن هذا التعاطف إذا لم يتم استغلاله بشكل منظم ومستدام من الدول العربية الفاعلة فسيوشك على التلاشي، ما إن تتوقف الحرب وتعمل الآلة الإعلامية والسياسية الغربية عملها.