دقة التنبؤ .. الشروط والاستحقاقات
مع بداية جائحة كورونا أتذكر أن منظمة العمل الدولية أصدرت تقريرا ذكرت فيه أن 25 مليون إنسان حول العالم سيفقدون وظائفهم، ولا أدري هل التوقع صحيح، وتحقق الرقم ذاته، أم أن التوقع أقل من الواقع، وهذا ما أعتقده، خاصة أن بعض الأوطان حدث فيها ما يشبه التوقف التام في ميادين العمل نتيجة الحجر الذي فرض على حركة الناس وتنقلاتهم، وما دعاني لاسترجاع هذه المعلومة حديث دار بيني، وبين أحد الأخوة بشأن دقة التوقع بما قد يحدث مستقبلا، سواء على المستوى اليومي مثل النتبؤ بحالة الطقس، أو التنبؤ بسوق المال بصورتها الكلية، أو على مستوى شركة من الشركات، أو بشأن الحروب، أو أي شيء آخر.
من متابعتي بعض الاقتصاديين، والمحللين الماليين ذوي الاهتمام بسوق الأسهم وجدت اختلافا جوهريا بينهم، فمنهم من يجعل من انخفاض قيمة السهم فرصة للشراء على افتراض مناسبته لمعظم الناس، لذا تجده يوصي بقوة بالشراء، إلا أن مثل هؤلاء يغفلون أمرا مهما للمستثمر أو المضارب، إذ لا يقدمون أي معلومة بشأن متى سيرتفع السهم، وكيف ولماذا، وكم نسبة الارتفاع؟ فمعطيات انتعاش السوق غير واردة، وربما غير موجودة على الإطلاق، ذلك أن الشركة غير مؤهلة للانتعاش إلا برافعة قوية، وربما تحتاج مدة طويلة.
على النقيض من ذلك يوجد محللون آخرون يبحثون بعمق بشأن عناصر الانتعاش المتوافرة في الشركة، ويربطون ذلك بالظروف المحلية، والإقليمية كأن توجد خطة لمشاريع ضخمة تنوي الدولة القيام بها، فهذا سيكون أثره الإيجابي واضحا على كل الشركات ذات العلاقة بهذه المشاريع، كما يؤخذ في الحسبان الأحداث العالمية كالحروب، كحرب أوكرانيا وتأثيرها في سوق القمح والأسمدة، أو الجوائح الطبيعية، وما يمكن أن يحدث على منتجات ذات علاقة بهذه الجوائح، ما يؤدي إلى ارتفاع السهم أو انخفاضه، ويضاف لذلك مكرر الأرباح وتاريخ السهم، وقدرته على مقاومة المتغيرات ذات العلاقة، وهل على الشركة مديونية، وأداء الشركة سابقا وقدرتها على تسويق منتجاتها، وقدرتها على المنافسة محليا وعالميا، ولا ننسى خفض أو رفع قيمة الفائدة من قبل البنك الفيدرالي الأمريكي، والتأثير الذي يحدثه في المستوى الدولي.
التغيرات الاجتماعية متمثلة في سلوك الناس واتجاهاتهم وميولهم وقيمهم وعاداتهم تمثل أحد المجالات ذات الاهتمام من قبل علماء النفس والاجتماع والتربية، لما لها من تأثير ليس على مستوى الفرد فحسب، بل على مستوى المجتمع عامة، فالتغير الاجتماعي في شكل اللباس ولونه وثمنه، وما يتبع ذلك من تغيرات عميقة قد تنقل المجتمع من وضع لآخر قد يكون إيجابيا أو سلبيا حسب المقدمات التي سبقته، فعلى سبيل المثال لا الحصر التدخين في السابق لم يكن ظاهرا لكونه سلوكا مرفوضا اجتماعيا، وكان المدخنون يختفون عن الأنظار تجنبا لتصنيف الناس لهم بما هو معيب اجتماعيا، ولو قدر لمن عاش تلك الفترة وشهد كيف، وأين، ومن يدخن، وفي أي الأعمار لصعق، إذ لم يكن يتوقع ذلك لأنه لم يأخذ كل العوامل والمعطيات الاقتصادية والاجتماعية والنفسية التي حدثت في المجتمع، منها ما هو بشكل تدريجي، ومنها ما حدث بسرعة فائقة لم يتوقعها أحد حتى مراكز الأبحاث ذات الدقة العالية في التنبؤ.
إن دقة التنبؤ تحتاج خبرة، ليس في التحليل الإحصائي رغم أهمية ذلك، وإنما تحتاج سعة معرفة واطلاع على التحولات في واقع المجتمعات، والمراحل التي تمر بها، وعوامل التغيير الجوهرية كنموذج القدوة، ودور قانون العصا والجزرة الذي يستخدم لإحداث التغيير بدءا بالفكرة وانتهاء بالممارسة والسلوك.