حرم آمن وأرواح مطمئنة
بعد غياب نحو أربعة أعوام من آخر زيارة وعمرة للحرم المكي الشريف عدت إلى الرحاب الطاهرة مجددا، عدت ولم تتغير العادة التي عرفتها منذ طفولتي، ففي كل مرة هناك عمل، هناك توسع، هناك تطوير، وهناك تطور في الأداء يلفت النظر، ويزيد الحمد والشكر لله، ثم للدولة والشعب، ومن يعمل هناك، ومن يزور آمنا مطمئنا ونظاميا.
أدركت بوعي مختلف هذه المرة لماذا يقول كبار السن دائما "مكة الله يعمرها" عند الحديث عنها، حتى عند انتقاد شيء يقولون "مكة الله يعمرها زحمة" أو "مكة الله يعمرها حر"، إنها معمورة بالأرواح والأفئدة التي "تهوي إليها"، بتلك النفحات التي مهما حاولت تعجز كلماتك عن وصفها، إنها معمورة بالعمارة التي لا تتوقف، عمارة الحرم توسعة وبنيانا، وعبادة قاصديه، وتجارة الساكنين من حوله، ونزهات الأرواح من كل الجنسيات في فسيفساء إنسانية لا تراها إلا هناك، كتب الله للجميع زيارتها والتمتع بهذا الهناء، ورزقهم قبول الدعوات وتحقق الأمنيات.
عاما بعد عام يتطور أداء العاملين والعاملات هناك، المدنيين والعسكريين، العمال والمشرفين، هناك خبرة عملية تتراكم، ومن الواضح أن هناك مرونة وذكاء في اتخاذ قرارات التغيير والتطوير، بل هناك استعداد لكل شيء، مثل الأمطار الشديدة التي أنعم الله بها، هطلت في أحد الأيام فبادر رجال الأمن إلى تغيير خطة الدخول والخروج من الساحات فورا، بحيث يتحقق أكبر قدر من الانسيابية والأمان للناس.
أصبح هناك بوابات خاصة فقط للمعتمرين، وأخرى للمصلين للفروض والنوافل، وهناك مع كل فرض تغيير لاتجاهات السلالم الكهربائية وللدخول والخروج من البوابات في أوقات دقيقة ومحسوبة قبل الصلوات الخمس وبعدها، وما بين ذلك تعود المرونة وحرية اختيار من أين تدخل وتخرج.
العناصر التي تعمل هناك لديها قدرة كبيرة على التواصل مع جميع الجنسيات، قدرات لغوية، وإنسانية، مع صرامة حانية عندما يجادلهم أحد فيقومون بالشرح له عن سبب توجيهه إلى المسار الصحيح.
الطمأنينة تظهر وتغلب على كل شيء حتى خارج الحرم، بدءا من الأمن الخاص بالفنادق، وليس انتهاء بالعاملين فيها، مرورا بكل من حولك، طمأنينة الأمن والأمان وقدسية المكان، والاطمئنان إلى الأيدي الأمينة التي تنظم ملايين البشر من مختلف أنحاء العالم.
شكرا لولاة الأمر على كل هذه الأمور، وشكرا لكل معتمر راعى الآخرين، وشكرا لأهل مكة ومن يسكن ويعمل فيها على هذه الثقافة المؤتلفة مع كل ثقافات الأرض.