عصرنا المعرض للخطر بالتهديدات الاقتصادية «1 من 4»

منذ نشر كتاب "التهديدات الضخمة" في أكتوبر 2022، أصبحت المواضيع التي تناولتها سائدة. ويدرك الجميع الآن أن التهديدات الاقتصادية والنقدية والمالية آخذة في الارتفاع وتتفاعل بطرق خطيرة مع مختلف التطورات الاجتماعية والسياسية والجيوسياسية والبيئية والصحية والتكنولوجية الأخرى. لذلك في ديسمبر 2022، اختارت صحيفة "فاينانشيال تايمز" عبارة "تعدد الأزمات" كواحدة من تعبيراتها الطنانة لهذا العام. وأيا كان المصطلح الذي يفضله المرء -الأزمة الدائمة أو تجمع الكوارث-، فهناك إدراك متزايد بأن ليس الاقتصاد العالمي وحده المعرض للخطر، بل أيضا بقاء البشر.
كما حذرت في كتابي "التهديدات الضخمة"، فإن فترة "الاعتدال العظيم" وهي فترة طويلة من التقلبات المنخفضة في الاقتصاد الكلي في أعقاب منتصف الثمانينيات، قد أفسحت المجال أمام "الركود التضخمي العظيم". وفي عام 2022، شهدنا طفرة في معدلات التضخم في الاقتصادات المتقدمة والأسواق الناشئة، وتباطؤ حاد في النمو العالمي استمر حتى عام 2023، وعلامات على مشكلات ديون حادة تواجه القطاعين الخاص والعام مع قيام البنوك المركزية برفع أسعار الفائدة لتحقيق الاستقرار في الأسعار.
نظرا إلى تشديد السياسة النقدية، انخفض معدل التضخم في مختلف أنحاء العالم، علاوة على ذلك، فإن تأثير أزمات العرض السلبية قصيرة الأجل الناجمة عن الركود التضخمي -الجائحة، والارتفاع الحاد في أسعار السلع الأساسية في أعقاب الحرب الروسية - الأوكرانية، وسياسة "القضاء على فيروس كورونا" التي تنتهجها الصين- بدأ يتلاشى تدريجيا طوال 2023. ومع ذلك، تظل معدلات التضخم أعلى بكثير من هدف 2 في المائة في الاقتصادات المتقدمة، كما ازدادت حدة عشرات الصدمات الإجمالية السلبية الأخرى على المدى المتوسط، التي تمت مناقشتها في كتاب "التهديدات الضخمة".
على سبيل المثال، استمر تراجع العولمة، مع تحول مزيد من البلدان من التجارة الحرة إلى التجارة الآمنة، ومن التكامل الاقتصادي إلى الانفصال و"الحد من الأخطار". إن إعادة التصنيع، والاستعانة بمصادر خارجية، و"عملية التصنيع والتوريد من الدول الحليفة" تعني ضمنا المقايضة بين الكفاءة والمرونة، مع استبدال سلاسل العرض العالمية في الوقت المناسب بتدابير احتياطية.
علاوة على ذلك، تعمل الشيخوخة المجتمعية في أوروبا واليابان والصين على تقليل المعروض من العمال في وقت تعيق فيه القيود المفروضة على الهجرة تدفق اليد العاملة من البلدان الفقيرة إلى البلدان الغنية ، وكل هذا من شأنه أن يؤدي إلى زيادة تكاليف العمالة. إن تغير المناخ يؤدي بالفعل إلى تغذية الطاقة وانعدام الأمن الغذائي، وزيادة تكاليف الطاقة والغذاء، ولم يبذل العالم بعد جهودا كافية للاستعداد لمواجهة الأوبئة في المستقبل.
من ناحية أخرى، نجد الأخطار الجديدة، التي لا تحظى بالتقدير الكافي وتفرضها الحرب الإلكترونية المعززة بالذكاء الاصطناعي والمعلومات المضللة، فضلا عن المشكلات طويلة الأمد مثل ردة الفعل العنيفة ضد اتساع فجوة التفاوت في الثروة التي قد تؤدي إلى مزيد من السياسات المالية الداعمة لزيادة الأجور ودعم السياسيين الشعبويين. وأخيرا، مع اعتماد الولايات المتحدة بشكل أكبر على الدولار كأداة للسياسة الخارجية، يظل تقليص الاعتماد على الدولار يشكل خطرا حادا.بالتالي، رغم الاعتدال قصير الأجل للأزمات المرتبطة بفيروس كورونا، لا يزال العالم يواجه أخطارا تضخمية مصحوبة بالركود -انخفاض النمو وارتفاع التضخم- التي من المرجح أن تصبح أغلبها أكثر حدة على مدى العقد المقبل... يتبع.
خاص بـ «الاقتصادية»
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2023.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي