وحش البطالة .. آفة الحياة والاقتصاد

وحش البطالة .. آفة الحياة والاقتصاد

كانت مشاهدة جيريمي هانت وزير المالية وهو يلقي بيان الخريف بمنزلة مشاهدة مسابقة مصارعة بين متنافس شجاع ووحش هيدرا متعدد الرؤوس. تقطع رأسا - التضخم - وسيظهر رأس آخر - إنتاجية ضعيفة. تتخلص من الضريبة الرئيسة، وسيلوح في الأفق ما هو أكثر خبثا. لكن أبشع وحش على الإطلاق، آفة الحياة والاقتصاد، هو البطالة.
ربع البالغين في سن العمل في بلاكبول وبرمنجهام وليفربول لا يعملون ولا يبحثون عن عمل. وخمس أولئك موجودون في منطقتي ووريك وإيست ستافوردشير وكثير من الأماكن الأخرى. الوعود برفع مستوى البلد فارغة أمام هذا الكم المتزايد من الحيوات المهدرة.
يستحق هانت الثناء على محاولته معالجة هذه المشكلة. إن خفض فاتورة الرعاية الاجتماعية هي مهمة شاقة في الحكومة لا تحظى بتقدير، كما اكتشف وزراء حزب العمال والمحافظين على مدى عقود. لكن الطريقة التي يتم بها تقديم الرعاية الاجتماعية ليس لها تأثير كبير في حياة الناس فحسب، بل إنها أيضا المجال الأكثر أهمية في الإنفاق الحكومي. إنفاق بقيمة 300 مليار جنيه استرليني، أكثر من 40 في المائة منها تذهب إلى معاشات التقاعد الحكومية، يجعل ميزانية هيئة الخدمات الصحية الوطنية (أقل من 200 مليار جنيه استرليني في إنجلترا) تبدو ضئيلة للغاية. حتى مع إصلاحات هانت المقترحة، التي تهدف إلى مساعدة نحو 700 ألف شخص على العودة إلى العمل، فإن فاتورة إعانات العجز عن العمل - التي ارتفعت بالفعل من 15.9 إلى 25.9 مليار جنيه استرليني العقد الماضي - من المتوقع أن ترتفع إلى 29.3 مليار جنيه استرليني بحلول 2027-2028.
حتى الجائحة، أدت الجهود المبذولة لجعل العمل مجزيا أن تصبح بريطانيا واحدة من أفضل الدول أداء في مجموعة السبع. بين 2010 و2020، انخفض عدد الأشخاص الخاملين اقتصاديا في سن العمل من 9.5 إلى 8.4 مليون. هذا يعني أن عددا أقل من الأطفال ينشأون في أسر عاطلة عن العمل، وأن مزيدا من الناس يجدون الأمل. كان هذا ليسعد ويليام بيفريدج، الذي لم يكن يقصد قط أن تؤدي دولة الرفاهية التي ساعد على تصميمها في فترة ما بعد الحرب إلى إيجاد تبعية دائمة. "الشخص الذي لا يمكنه بيع عمله (لا يشكل عمله أي قيمة) يقال له في الواقع إنه لا فائدة منه. البطالة حتى لو كان لدى المرء دخل يعيش عليه مفسدة، شعور المرء بأنه غير مرغوب فيه يضعف المعنويات"، كما كتب. أظهرت العقود الماضية مدى صحة كلامه: فكلما طالت مدة بقاء الشخص عاطلا عن العمل، زاد احتمال إصابته بالاكتئاب والقلق، وتضاءلت احتمالية حصوله على وظيفة أخرى على الإطلاق.
عندما أصبح من الواضح لأول مرة أن شيئا ما سار على نحو خاطئ بعد الجائحة، وهو أن المملكة المتحدة كانت الوحيدة من بين الدول الغنية التي شهدت زيادة في الخمول الاقتصادي بعد كوفيد، كانت إحدى الافتراضات هي أن كثيرين كانوا عالقين في قوائم انتظار هيئة الخدمات الصحية الوطنية، أو يرعون شخصا عالقا فيها. لكن ذلك لم يكن صحيحا تماما. فقط ربع المرضى الذين يعانون مرضا طويل الأمد ينتظرون العلاج. وأكبر قفزة نسبية في الخمول الاقتصادي بسبب المرض طويل الأمد تحدث عند الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 35 عاما، والذين تتمثل شكاواهم الرئيسة في الاكتئاب، أو سوء الحالة العصبية، أو القلق: وهي ليست مجالات العلاج الرئيسة في قائمة انتظار هيئة الخدمات الصحية الوطنية.
يتحمل نظام الرعاية الاجتماعية نفسه بعض المسؤولية، وفقا لمكتب مسؤولية الميزانية. خلال الجائحة، تم التنازل إلى حد كبير عن متطلبات البحث عن عمل، وسمح للأشخاص بتقديم شهادة ذاتية للحصول على أجر مرضي قانوني، بدلا من رؤية الطبيب. لكن التغييرات السابقة جعلت بالفعل الحصول على مدفوعات المرض طويل الأمد أسهل - وأكثر سخاء من الأشخاص الذين عدوا غير قادرين مؤقتا على العمل. لو ظلت معايير الحصول على إعانات العجز كما هي بعد 2016، كما يقول مكتب مسؤولية الميزانية، لكان عدد المطالبات المعتمدة أقل بـ670 ألفا الآن. ويشير تحليله إلى أن المطالبات تميل إلى إظهار التغيرات في المعايير. في أواخر الثمانينيات، مثلا، المعايير الأكثر صرامة لإعانات البطالة أعقبها انخفاض في عدد حالات البطالة وارتفاع في حالات العجز. وانعكس الوضع في العقد الأول من القرن الـ21، عندما تم تشديد القواعد.
هذا لا يعني أن كثيرا من مشكلات الصحة العقلية ليست حقيقية. ما زلنا لا نعرف إجمالي الخسائر المروعة لعمليات الإغلاق الوطنية. لكن الاكتئاب والقلق لا يجب أن يكونا دائمين.
تنفق الحكومة 2.5 مليار جنيه استرليني إضافية لمساعدة الأشخاص الذين يعانون ظروفا صحية على العودة إلى العمل، بما في ذلك العلاج بالكلام. هدد هانت "بعواقب" للأشخاص الذين يرفضون المساعدة، وتتبع ما إذا كان الأشخاص الذين يعدون مناسبين للعمل يبحثون بالفعل عن عمل وإعادة تقديم فرص عمل إلزامية لأولئك الذين لا يجدون وظيفة في غضون 18 شهرا. هذه بمنزلة العودة إلى نظام ما قبل الجائحة الأكثر صرامة.
سيكون حزب العمال ممتنا لأن هانت قد رفع بعض الحمل الثقيل. قبلت راشيل ريفز، نظيرته في حكومة الظل، مقترحات الوزير بشأن تقييم القدرة على العمل، التي من المحتم أن تطعن فيها الجمعيات الخيرية. كما أكدت على الحاجة لتحسين هيئة الخدمات الصحية الوطنية، لكن هذا ليس سوى جزء من اللغز. إن فصل الذين يعانون مرضا شديدا لدرجة أنه لا يمكنهم العمل ويحتاجون بشدة للدعم عن الذين يمكنهم الحفاظ على وظيفتهم هو مشروع شاق. لكن ينبغي لنا ألا نوبخ الساسة إذا حاولوا فعل ذلك. إذا كانت إعانات العجز تفوق إعانات البطالة، فهذا غير عادل أيضا.
هل سيكون ذلك كافيا؟ في زمن بيفريدج، كانت سوق العمل تمر بمرحلة انتقالية إلى الإنتاج الضخم. والآن نرى شيئا مختلفا: تراجع كرامة العمل، مع وجود كثير من الوظائف منخفضة الأجر المحبطة وغير الآمنة. تقول هيلاري كوتام، رائدة الأعمال الاجتماعية، إن معظم الناس لا يريدون الإعانات. لكنهم يريدون الاستقلالية والعمل الذي ينطوي على علاقة مفيدة مع صاحب العمل. وهذا تحد للمجتمع بأكمله ولا يمكن تركه للدولة فحسب.
عندما أعلن هانت أن البلد "تجاوز منعطفا صعبا"، كان يمهد للطريق الذي ستخاض فيه الانتخابات المقبلة. لكن عندما يتعلق الأمر بالخمول الاقتصادي، فإن بريطانيا عالقة في حفرة. سيكون خروجنا من الحفرة تمرينا للأجيال.

الأكثر قراءة