العقارات والديون .. إفلاسات فتصفيات
لم يستبعد بعض المراقبين أن تتحول المشكلات الراهنة في القطاع العقاري إلى أزمة عالمية، حيث إن المؤشرات المقلقة والمتصاعدة حول هذا القطاع تتفاقم عامة على مستوى العالم. فقد كان بعضهم أكثر تشاؤما حين أشار إلى أزمة مشابهة لتلك التي انفجرت في 2008 في الولايات المتحدة، وولدت معها أزمة اقتصادية عالمية.
وبعيدا عن هذه التوقعات التي تبدو في الوقت الراهن مبالغا فيها، فإن الأزمات التي تنال من القطاع العقاري عموما في عدد من الدول المؤثرة في المشهد الاقتصادي العالمي تتزايد، خصوصا إذا ما أخذنا في الحسبان أن القطاع المشار إليه يمثل محورا رئيسا في النشاط الاقتصادي المحلي في هذه الدولة أو تلك، بما في ذلك تحريك رؤوس الأموال فيه، والتوظيف والإسكان.
الأزمة الأخيرة التي تعرضت لها شركة العقارات النمساوية العملاقة "سيجنا"، ليست سوى أخرى في المشهد العقاري العام. فهذه الشركة فشلت في الحصول على تمويل جديد، لحل مشكلاتها المالية المتصاعدة، فما كان أمامها إلا أن أجبرت على إعلان الإفلاس. وأهمية المشكلة قضية المؤسسة المشار إليها تكمن في أنها حدثت في أكبر "صيحة" حتى الآن في سوق العقارات الأوروبية، التي تعاني أصلا مصاعب جمة، بما في ذلك سوق ألمانيا التي اتسمت بالاستقرار دائما، إضافة طبعا إلى مشكلات شركات عقارية في المملكة المتحدة. ولكن لم تصل هذه الأزمات بعد إلى مستويات إعلان الإفلاس حتى الآن، وإن أظهر مطورون مخاوفهم من مواجهة عجز ما في المرحلة المقبلة.
الأسباب التي أدت إلى إفلاس "سيجنا" هي الأسباب نفسها التي قد تدفع شركات مماثلة للوصول إلى حافة الانهيار، ومن الواضح أنها تسير على خطى العملاقين الصينيين إيفرجراند وكانتري جاردن اللتين وقعتا في مآزق الديون وبدأتا في الدخول في مخاطر الإفلاس تمهيدا للتصفية.
وعلى رأس هذه العوامل الارتفاع الكبير لأسعار الفائدة في منطقة اليورو. فالارتفاع الحاد في تكاليف الاقتراض ضرب السوق العقارية، وتراجع الطلب بصورة كبيرة، في حين زاد العرض. والفائدة على اليورو بلغت أعلى مستوى لها منذ أكثر من ربع قرن، والبنك المركزي الأوروبي كغيره من البنوك المشابهة ترك الباب مفتوحا على تعديل الفائدة بالرفع لاحقا، إذا ما دعت الحاجة لذلك. وهذا يعني أن المشكلات ستتراكم على كاهل شركات العقارات والمطورين. وتكمن خطورة أزمة الشركة النمساوية أكثر، أن أغلب عملياتها تنحصر في ألمانيا. وهذه الأخيرة تواجه أصلا أزمات مختلفة على الصعيد العقاري.
اللافت، أن شركات ألمانية مختلفة الأحجام، تواجه عراقيل بما فيها إعلان عدد منها التوقف عن الدفع لشركات البناء نتيجة العجز المالي. وهذا يعني أن السوق الألمانية العقارية قد تشهد أزمة معقدة في وقت لاحق، مع استمرار العوامل المؤدية لأزمات شركات العقارات بالحضور على الساحة ككل، بما في ذلك ما أسماه مسؤولون في الشركة النمساوية "عوامل خارجية". والقطاع العقاري الألماني يمثل ما يقرب من خمس الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة مرتفعة في أكبر اقتصاد على الساحة الأوروبية. وعلى هذا الأساس تزداد المخاوف من مستقبل ليس واضحا في هذا الميدان، بينما لا توجد مؤشرات على انفراجات جديدة على صعيد تكاليف الاقتراض في أوروبا كلها.
وأزمة العقارات الألمانية الحالية تأتي في الواقع بعد أزمة متفاعلة حتى اليوم على الساحة الصينية التي تواجه أحد أشد المصاعب وأخطرها، ليس على الصعيد المحلي فقط، بل العالمي أيضا، نظرا لانكشاف بنوك ومؤسسات مالية أجنبية على الشركات العقارية الصينية. مستويات القلق على الساحة العقارية الألمانية والأوروبية عموما ترتفع يوما بعد يوم، وتقدم أي شركة بمستوى المؤسسة النمساوية لإعلان الإفلاس لاحقا، يعني أن قطاع العقارات دخل مرحلة الخطر، خصوصا في ظل ضغوط لا يبدو أنها ستزول في وقت قريب على الأقل.