الانبعاثات .. حلول سعودية ابتكارية

اهتمام متزايد في الأدوار التي تلعبها الدول النامية للحفاظ على البيئة والحد من الانبعاثات الغازية الضارة، حيث اتضح ذلك في مداولات قمة الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ COP28، المقامة في دبي حاليا، حيث أعلن البنك الدولي عن خطط طموحة لتنمية أسواق شهادات الكربون العالمية، لتصبح هذه الأسواق ذات مصداقية ونزاهة عاليتين، وتتيح للدول المشاركة تحقيق إيرادات مالية عن طريق بيع ما يتولد لديها من أرصدة كربون في أسواق عالمية نشطة. بحسب تقديرات البنك الدولي ستستطيع 15 دولة نامية إنتاج نحو 24 مليون نقطة كربونية العام المقبل، مع التوقعات أن يرتفع هذا العدد إلى 128 مليون نقطة في 2028.
كثير من الدول النامية التي تحاول جاهدة الالتزام باتفاقيات المناخ والحد من الانبعاثات، وهي دول إفريقية وجنوب أمريكية إلى جانب إندونيسيا ونيبال، هي في واقع الأمر دول محدودة في تأثيراتها السلبية في البيئة عطفا على التدني النسبي لمستوى الأنشطة الصناعية لديها، وفي الوقت نفسه هذه الدول لديها فرص كبيرة لتحقيق فوائض كبيرة في أرصدتها الكربونية من خلال الحفاظ على ما لديها من رقع خضراء كبيرة وغابات، مع الاستخدام الأمثل لأراضيها ومواردها الطبيعية. ورغم ذلك لم تجد هذه الدول أي فوائد مالية من برامج أرصدة شهادات الكربون التي تستفيد منها في الأغلب دول صناعية متقدمة وشركات دولية عملاقة.
ما يسعى إليه البنك الدولي من خلال مبادرته هذه هو أن يتمكن من إنعاش أسواق أرصدة شهادات الكربون ومعالجة ما طالها من قصور وانتقادات، فهو يراهن على أن مبادرته الجديدة هذه تختلف عن غيرها من المبادرات في أنها ستجعل أرصدة شهادات الكربون حقيقية وغير متكررة وقابلة للقياس ودائمة، وأن تجد سوقا دولية نشطة لتداولها، وفي الوقت نفسه تنتج عنها فوائد ملموسة للدول التي تستحقها وللمجتمعات التي تسهم في تحقيقها. هذا التوجه من قبل البنك الدولي يأتي للرد على بعض الانتقادات الموجهة نحو فكرة أرصدة شهادات الكربون في أن من يستفيد منها هي الدول الكبرى والشركات العملاقة من خلال استغلال ثغرات تنظيمية، بعضها قانونية وبعضها احتيالية لحصد أرصدة كربونية كبيرة تدر عليها ملايين الدولارات سنويا.
من جهة أخرى تبين من خلال قمة الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ أن هناك جهودا كبيرة تقوم بها دول عديدة، على رأسها المملكة العربية السعودية، في المضي في معالجة مشكلات الانبعاثات الغازية عن طريق السيطرة على الغازات المنبعثة بطرق ابتكارية ذكية، لا تستلزم التخلص من النفط والغاز بحد ذاتهما، بل من خلال أساليب التقاط الكربون ومعالجته وتخزينه وتوجيه استخداماته في مجالات حيوية تحتاج إليه، مع مواصلة ما يلزم عمله للوصول إلى الحياد الصفري عالميا.
من تلك الابتكارات التي تقودها الرياض في مجال الحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، قام الجناح السعودي المشارك في مؤتمر المناخ بعرض نموذج لمحرك احتراق داخلي، كالذي يستخدم في السيارات والمعدات الصناعية الميكانيكية وغيرها من آلات، يعمل بالهيدروجين بدلا من الوقود الأحفوري، وبالتالي لا ينتج عنه أي انبعاثات ضارة، لأن احتراق الهيدروجين عند اتحاده مع الأكسجين ينتج عنه بخار الماء، لا ثاني أكسيد الكربون. كما تم استعراض بعض الحلول الأخرى التي تؤدي إلى خفض الانبعاثات الصناعية، مثل تلك الناتجة عن مصانع الأسمنت والحديد، من خلال استخدام مواد أولية صديقة للبيئة قابلة للاستخدام في مختلف الأعمال الإنشائية.
الحقيقة أن التوجه نحو الأساليب الجديدة للسيطرة على الانبعاثات الضارة بدأ يجد قبولا واهتماما أكثر من ذي قبل، ففي هذا المؤتمر رفض الرئيس التنفيذي لواحدة من أكبر شركات الطاقة في العالم، شركة إكسون موبيل، ادعاءات وكالة الطاقة الدولية بمحدودية الجدوى من احتجاز الكربون على نطاق واسع لمكافحة تغير المناخ، وفي قولها "إن ذلك مجرد وهم غير قابل للتصديق"، مذكرا بأن هناك حلولا كثيرة مطروحة اليوم كالسيارات الكهربائية وحلول الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وغيرها، وهي ليست حلولا كاملة وقطعية، مؤكدا في حديثه أنه يعتقد أن النفط والغاز سيلعبان دورا مهما في العالم من الآن حتى 2050.
الجدير ذكره هنا أن توجه البنك الدولي في دعم سوق شهادات الكربون يعزز من دور السوق التي أنشأها صندوق الاستثمارات العامة مع مجموعة تداول السعودية العام الماضي من خلال شركة "سوق الكربون الطوعية الإقليمية" التي تعد من أهم الأدوات الرئيسة للمساعدة على معالجة آثار تغير المناخ، حيث نجحت هذه السوق في تنظيم المزاد الأكبر عالميا لتداول أرصدة شهادات الكربون الطوعية، ويأتي ذلك في إطار اتفاقية باريس للمناخ التي حددت آلية معينة لاستخدام أرصدة الكربون الطوعية لتمكين الدول ذات الانبعاثات المنخفضة من بيع الأرصدة للدول التي تواجه صعوبات في خفض مستوى انبعاثاتها بالسرعة المطلوبة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي