التشريعات والصناعة .. تقييد أم تنظيم؟
الناظر إلى مشهد التحولات التي نرصدها ونلاحظها في صناعة السيارات في أوروبا، يدرك أنها ليست جديدة، لكنها أصبحت منذ أعوام أكثر ضغطا على هذا القطاع الذي يرفد الاقتصاد الأوروبي عموما بضرائب سنوية تصل إلى أكثر من 374 مليار يورو، كما أنه يشغل 11.5 في المائة من العاملين في قطاع التصنيع عموما في القارة العجوز. إنه ميدان دفع هذه الأخيرة إلى آفاق تنموية واقتصادية عالية في العقود الماضية، عندما سيطر الأوروبيون على مفاتيح أساسية في إنتاج المركبات عموما. ورغم قوة الدفع التي تمتعت بها هذه الصناعة، إلا أنها باتت تعاني مصاعب جمة، بل هناك من يعتقد بأنها معرضة للأخطار المتزايدة يوما بعد يوم، في ظل تنام كبير في الإنتاج على ساحتي الولايات المتحدة والصين، وغيرهما من الدول الأخرى خارج أوروبا. فحتى كوريا الجنوبية، باتت منذ أعوام عديدة تشكل رقما صعبا في هذا القطاع المهم.
صناعة السيارات الأوروبية تواجه مشكلات كبيرة، يأتي على رأسها التقييد الآتي من التشريعات المتوالدة بشأن تنظيم الصناعة، بما يضمن مستهدفات حماية البيئة والتغير المناخي عموما. فهذه الصناعة تعاني ارتفاع تكلفة الإنتاج بسبب هذه التشريعات، في حين أن الأمر ليس كذلك على ساحات إنتاجية أخرى حول العالم. ومن هنا، دخلت التنافسية دائرة الخطر، بينما ترتفع أصوات القائمين على هذه الصناعة، بضرورة تعديل أو تخفيف القوانين الأوروبية المرعية بهذا الشأن. والمشكلة الرئيسة هنا، أن هؤلاء يعتقدون بأنها تحد غير متكافئ، لا علاقة له بالإنتاج والابتكار والتطوير، بل يرتبط بالتشريعات المقيدة أو المشددة، التي تضيف مزيدا من الأعباء على كاهل الجهات المصنعة. ففي أوروبا هناك 164 مصنعا لتجميع وإنتاج المركبات بأشكالها المختلفة، تنتج 13.1 مليون مركبة.
والتشريعات التي تزيد من حدة الأعباء على هذه الصناعة، لا تختص فقط بمعايير حماية المناخ، بل تشمل أيضا دمج معايير الاستدامة، مع المعايير الواجبة في هذه الصناعة. وهذه ترفع من حدة الضغوط والتكاليف في خطوط الإنتاج كلها. ماذا يحدث حقا؟ تقوم شركات التصنيع بضخ أموال إضافية لتنفيذ التشريعات الجديدة وتلك التي تم فرضها سابقا. وفي المقابل لا تلتزم الجهات المنافسة خارج نطاق الاتحاد الأوروبي بهذه التشريعات، وتستفيد بالطبع من تراجع تكاليف الإنتاج، ما يعود بالنفع على العوائد والأرباح في نهاية المطاف. ومهما كانت المبررات، فإن الحلول المتاحة لرفع مستوى تنافسية صناعة السيارات الأوروبية عموما، ليست إلا حلا واحدا فقط، وهو إقناع المشرعين، بتخفيف القيود الناجمة عن القوانين المقيدة أو المكلفة.
وقادة صناعة السيارات يعتقدون، أن هذه التشريعات، تسهم في تردد الشركات في ضخ الاستثمارات اللازمة لمواصلة المنافسة الصحية على الساحة العالمية. وهذا يعني أن وتيرة التطوير قد تواجه في المستقبل تراجعا سيؤثر سلبا بالتأكيد في القطاع كله. وعلى هذا الأساس، ستكون أمام الحكومات الأوروبية عموما مهمة معقدة تتركز في الإيفاء بالتعهدات المناخية الخاصة والقوية الملتزمة بها أساسا، وبحماية قطاع يعد واحدا من أيقونات الصناعة الأوروبية عموما. والخوف يتعاظم هنا إذا ما أخذنا في الحسبان، كيف أن أوروبا خسرت في العقود القليلة الماضية تنافسية في سوق الهواتف المحمولة، وكذلك في صناعة الكاميرات التي تميزت بها لعقود طويلة سابقة. أي أن قطاع السيارات ربما يدخل في النفق نفسه، إذا لم ينظر المشرعون إلى الأمر من زاوية اقتصادية تنموية. وباختصار، لا بد من أن تكون هناك حلول تمكن قطاع صناعة السيارات، من تقليل تكاليف الإنتاج في هذه المرحلة، التي تشهد صعودا كبيرا للصناعة في ساحات أخرى خارج القارة العجوز.