بين الممكن والمستحيل
بعض من الناس يجد صعوبة بالغة في تحقيق الأهداف التي يسعى إليها، لوجود فهم خاطئ متجسد في عقله، وهو استحالة الوصول إلى الهدف وتحقيقه، ذلك لرأي سمعه من صديقه، أو استنتاج توصل إليه من فيلم، أو برنامج شاهده، أو حتى رأي أدلى به والده، أو المعلم، لذا نجد التعثر يصاحب البعض، ليس لاستحالة تحقيق الهدف، بل نتيجة الفكرة الخاطئة.
يقابل مفهوم الاستحالة مفهوم الممكن، إذ لا شيء يستحيل تحقيقه متى ما تجسد هذا المفهوم في الأذهان، ووجدت الإرادة والعزم، وبذل الجهد، واستخدام الأدوات، والوسائل المناسبة للهدف المقصود.
إذا جاز لنا إدخال مصطلح "النسبية" في النجاح في تحقيق الهدف، فالانطلاق من مفهوم النسبية يمثل طاقة محفزة لكل من يلح عليه مفهوم الاستحالة المثبط، لذا يمثل مبدأ المحاولة والخطأ النفسي إحدى الآليات النفسية السلوكية لتجاوز تأثير فكر الاستحالة الذي يعيق بعضا منا.
الظروف المحيطة بالفرد، سواء اجتماعية، أو ثقافية، أو تنظيمية تبدو أنها معيقة وحائلة دون تحقيق الهدف، لشعوره أن إمكاناته الفردية لا يمكنها تجاوز أو التغلب على العوامل المحيطة، ولسان حاله يقول إنه لا يوجد توازن قوى بيني وبين الظروف المحيطة، لذا يكون التراجع والاستسلام للظروف نتيجة حتمية.
النجاح في الدراسة أو الوظيفة، والانتصار في الحروب يمكن تحقيقهما متى ما غرس في الأذهان أن لا مستحيل في الحياة، إنما كل شيء ممكن التحقيق وفق مفهوم النسبية، وهذا يقتضي إدراك أن تحقيق الطالب الدرجة الكاملة في الاختبار لا يعني الإلمام المطلق بالمجال المعرفي المرتبط بالاختبار، إذ قد يكون الاختبار محصورا في جزء من المجال، بينما في المجال حقائق دقيقة وعميقة تخفى على الطالب والمعلم.
النجاح الاقتصادي في تحقيق ثروة، والنجاح في العلاقات بين الكيانات والدول ينطبق عليه مفهوم النسبية، فكم من وطن ظن قادته ومواطنوه أنهم بلغوا قمة المجد لامتلاكهم القوة المعرفية، والعسكرية، والمالية، والإدارية، كما هي حال فرعون حينما قال «أنا ربكم الأعلى»، لشعوره المطلق، والخاطئ في الوقت ذاته، بامتلاكه عناصر قوة أوصلته إلى حالة الغرور هذه. ولو تأملنا في عصرنا الحاضر لانطبق مفهوم نسبية القوة، وليس الكمالية على الولايات المتحدة الأمريكية، التي وصف عالمها فرانسيس فوكوياما الديمقراطية، والليبرالية الغربية، بأنهما تمثلان نهاية التاريخ في الإنجاز البشري، والعلو الذي حققته أمريكا.
حقائق التاريخ الحاضرة تناقض وتثبت خطأ نظرية فوكوياما، فنجاحات أمريكا نسبية، وليست مطلقة، ذلك أنها هزمت في حروب كثيرة رغم القوة الفتاكة التي تمتلكها، وبدأت منذ عقود تتراجع، وتفقد نفوذها، وهيمنتها المتمثلة في كونها الدولة العظمى بعد الحرب العالمية الثانية، وبعد سقوط الاتحاد السوفياتي.
جمال الطبيعة والبشر نسبي أيضا، ومهما بلغ المكان، أو الفرد من الجمال إلا أن الأفراد قد يتفاوتون في الحكم عليه، إذ يراه بعض قبيحا، وآخرون يعدونه قمة في الجمال، ما يؤكد قاعدة النسبية في كل شيء، حتى مع وجود الأسس والمعايير للحكم على الأشياء.
في التربية، وعلم النفس، والعلوم الاجتماعية عموما توجد اختبارات ومقاييس تقاس بها السمات والخصائص، والذكاء والقدرات العقلية، والاتجاهات والميول، وبذلت في بنائها جهود لضمان صدقها، وثباتها، واستخدمت لهذا الغرض طرق عدة، وأسست نظريات، ووظفت معادلات رياضية، وبرامج إحصائية، ومع ذلك تنطبق عليها النسبية، كما أن المقاييس المادية ينطبق عليها هذا الأمر، فمقياس حرارة الإنسان، أو الطقس، ومقياس نسبة السكر لا يمكن القول بثباتها المطلق، فقد تعطي قراءات متعددة، وغير دقيقة. إن ما لا يدرك كله لا يترك جله.