التخاطر التقني
كم صادف من مرة وأنت تهم للاتصال بشخص وإذ به يتصل بك، أو تفكر في صديق قديم وسط زحمة مرورية خانقة وفجأة تجده بجوارك! وعدد ما شئت من المواقف المشابهة التي لا تفتأ تستغرب حدوثها ولا تكاد تجد تفسيرا ثابتا لهذه المواقف التخاطرية التي تتكرر باستمرار من دون التفكير في ماهيتها وكيفيتها وكيف تحدث ولماذا؟
البعض يكتفي بتفسير هذه المواقف بما درجوا عليه بوصفهم "القلوب شواهد" أو "الطيب عند ذكره"، لكن العلماء المتخصصين لهم رأي آخر حيث درسوا هذه الظاهرة وحاولوا إثباتها علميا مع صعوبة ذلك، إلا أنها لا تزال في مرحلة البحث الذي بدأ مع العالمين هارولد بوثوف ورسل تارج في معهد ستانفورد للأبحاث، وعرفوا هذه العملية بأنها: شكل من أشكال الإدراك خارج الحواس بما يسمى التخاطر ويعني نقل الأفكار أو المشاعر أو المعلومات العقلية من شخص (المرسل) إلى آخر (المتلقي) دون استخدام القنوات الحسية المتعارف عليها.
على الرغم من هذه الاتجاهات المحتملة، من المهم ملاحظة أن الاكتشافات العلمية لا تزال تواجه شكوكا وتحديات منهجية لذا لا يزال المجتمع العلمي منقسما حول وجود التخاطر وطبيعته، ما يستلزم إجراء أبحاث أكثر عمقا باستخدام تصاميم وضوابط تجريبية قوية. تشير دراسات تفسيرية أخرى إلى أن الأفراد قد يمتلكون القدرة على تبادل المعلومات أو الوصول إليها خارج القنوات الحسية التقليدية، ومع ذلك فإن الطبيعة المثيرة للجدل لما يسمى بالتخاطر لا تزال تتحدى التدقيق العلمي، ما يتطلب مزيدا من التحقيق والبروتوكولات التجريبية القوية لتحديد وجود آليات وقوع مثل هذه الظواهر.
وبعيدا عن الناحية العلمية فإن تخاطر اليوم وكأنه كائن حي يريد هز محفظتك كل يوم! ولكن كيف؟ حينما تفتح أي تطبيق تجد فجأة أمامك إعلانا لسلعة كانت تدور في رأسك! وترويجا مدفوعا لخدمة سألته عنها من قبل، أو مطعما نصحك به صديقك أو منتجا معروضا أمامك لأنك شاهدت مقطع فيديو عنه! ما هذا التخاطر الغريب بين البشر والآلة؟
لا يمكن تصور أن هذا من باب القلوب شواهد، وتفسيره أن ثمة خوارزمية تتبع ما تبحث عنه وتقوله وتخزينها في بنك معلومات يملك كشف حساب فيه كل اهتماماتك وميولك وتقلبات مزاجك وحتى نوع عطرك وقصة شعرك ومزاجك غدا كيف سيكون.
يمكن القول إن التخاطر التقني نتيجة طبيعية لخوارزميات لا نعرف كنهها والأكيد أنها ليست من باب "القلوب عند بعضها".