«بن أفليك» في متاهة التنويم المغناطيسي
نسمع كثيرا عن استخدام تقنية التنويم المغناطيسي في العلاج النفسي، واليوم سنكون مع تجربة مختلفة حين نستخدم التنويم المغناطيسي بهدف القبض على مجرمين من خلال شخصية شرطي مضطرب يقودنا إلى ولوج أعماق التحقيقات السرية ويكشف النقاب عن تناقضات كثيرة لشخصية معقدة وقلقلة. يخرج فيلم "المنوم_ Hypnotic" عن سكة الأفلام الرائجة والمتبعة في الآونة الأخيرة، ويحث المشاهد إلى البحث والاستكشاف في أجواء مليئة بالإثارة والغموض، من خلال مهمة يقودها شرطي يحاول اكتشاف المجرمين الذين قاموا باختطاف ابنته والإيقاع بهم.
يطرح الفيلم كثيرا من التساؤلات ويدخل المشاهد في حالة من البحث عن خيال لا يشبه الواقع، وعالم قد يكون قرأ عنه أو سمع به، ولكنه اليوم يعيش تفاصيله اليومية مع بطل الفيلم "بن أفليك" في دور المحقق "داني روك"، فبعد أن تتعرض ابنته وهي في السابعة من عمرها لعملية اختطاف، يجد المحقق "داني روك" نفسه أمام قضية خاصة وقاسية تجعله يتوغل في أعماق الملفات ويكتشف سرا خطيرا يخص برنامجا حكوميا أثناء التحقيق في سلسلة من سرقة المستحيلات الراقية، وبعد مفارقات كثيرة تحدث يجد نفسه يتعاون مع العرافة ديانا كروز (تؤدي دورها الممثلة البرازيية أليس براجا) التي يمكن وصفها بأنها عرافة رخيصة بحسب تعبيره.
وتظهر شخصيات العمل من خلال اللمسة الخاصة التي يضعها المخرج رودريجنز على شخصياته التي تبرز الوجه الآخر لمن يتقنون فن التنويم المغناطيسي، من خلال المشاهد التي تشكل شرارة العلاقة بين المحقق والعرافة وكيف تنجح هذه الأخيرة في التأثير على المحقق بطريقة مغرية، وتجذبه والمراقب المرافق له إلى عالمها، وتدخلهما في متاهة التنويم المغناطيسي بطريقة مبالغ فيها إلى حد ما. تتم أول مواجهة مع سيد هؤلاء المنومين المسؤول عن استخدام هذه الآلية للقبض على المجرمين، ومع تقدم التعرف على سوابقه يتبين أنه وراء خطف وإخفاء ابنة روك، وينجح في الذهاب بعيدا في تحقيقاته حتى يتمكن من بلوغ مخبئ الخاطف والقبض عليه. تتميز الحبكة الدرامية لهذا الفيلم منذ بدايتها بالغموض الذي يكتنف مدينة أوستن في ولاية تكساس، التي لم يخطر في بال روك أبدا أن يقوم بالتحقيق فيها.
بعيدا عن الملل
يعتمد فيلم "المنوم" على تفاصيل دقيقة ويركز على الجوانب النفسية والعقلية للشخصية المحورية، ما يقود المشاهد إلى عالم الغموض والتخيل، ويعكس الأسلوب الفني الذي يتبعه المخرج بذكاء وحنكة بهدف إدارة الحبكة الدرامية بطريقة لافتة. "المنوم" أحد أفلام الخيال العلمي الغريبة الأطوار، يقدم غموضا وإثارة تبعد عن المشاهد الشعور بالملل وتبقيه متيقظا لأحداث لم يجنح إليها خياله الواسع، وبالتالي تضعه المشاهد المقطعة كسمفونية موسيقية في عالم مظلم مليء بالألغاز والتساؤلات، خاصة في المشهد الافتتاحي للفيلم، حين تظهر مطاردة بين روك الشرطي الماهر ومجموعة من اللصوص الذين يمتلكون قوى خارقة تتيح لهم التحكم في عقول الآخرين. ويجد المشاهد نفسه في تحد مستمر لفهم اللحظات الغامضة والمحادثات العميقة.
تصوير مبتكر
اعتمد مخرج العمل على استخدام الزوايا الواسعة في معظم اللقطات، في محاولة لنقل الأجواء الفريدة والمعقدة التي يرغب في إيصالها، التي تسهم في تعزيز تقديم القصة وإيجاد تباين بين الواقع والتخيل بشكل فعال. إن استخدام عدسات الكاميرا العميقة يغوص بنا في اللقطات ويساعد على تمييز العناصر الجوهرية في القصة.
تتألق الصورة على نحو خاص من خلال التقنيات المبتكرة للتصوير التي تم استخدامها لجذب الانتباه نحو هذا السر الغامض. ويظهر أسلوب المخرج في هذا العمل من خلال استخدامه الزوايا التصويرية الواسعة والعدسات العميقة على نحو بارع، حيث يهدف إلى توجيه انتباه المشاهدين وتعزيز التباين بين الواقع والعوالم الأخرى التي تستكشفها الشخصيات. ينشئ هذا الأسلوب جوا غامضا وغريبا يثير تشويق المشاهدين واستغرابهم، ومن خلال التصوير والإخراج الصوتي، يقوم المخرج ببناء أجواء سينمائية فريدة تضيف عمقا إلى الحبكة وتجعل القصة أكثر تعقيدا.
تكساس بيئة مناسبة
قد يكون اختيار مدينة أوستن في ولاية تكساس بيئة مناسبة لإيصال الرسالة التي أراد قولها المخرج والكاتب روبرت رودريجيز، حيث اعتمد إلى حد بعيد على الجو والبيئة الفريدة التي توفرها المدينة، كي يتم التركيز أكثر على الأجواء والمكان من أجل نقل رسالته وأحداثه، وذلك بدلا من التركيز الرئيس على القصة ذاتها. تطرح أحداث الفيلم تساؤلا إيحائيا في عقل المشاهدين حول ما حدث لهذه المدينة الغريبة والملونة. هل كانت هذه المدينة حقا موجودة من قبل؟ وتتابع هذه المشاهد وغموض اللقطات يجذب المشاهدين إلى عالم ميتافيزيقي، تحديدا من خلال تكرير الحقائق والإنجازات التي يحققها روك.
التنويم المغناطيسي
لا شك أن التزاوج السينمائي بين الممثل بن أفليك والمخرج روبرت رودريجيز، شكل عنصر جذب أساس للفيلم، لكن هذا لا ينفي أن استحداث فكرة جديدة والبناء عليها، قد يكون العنصر الثالث الذي جذب المشاهدين لمتابعة الفيلم ولو بشكل خجول. تدور فكرة الفيلم حول كيفية استخدام التنويم المغناطيسي لتسهيل عملية اعتقال المجرمين الخطرين، وهذا شكل ضمانة كافية للشركة الموزعة مترو جولدن ماير، التي اعتمدت على عناصر ثلاثة في اختيارها، البطل، المخرج، والفكرة.
يعيش المحقق أزمة ثقة بشأن اختفاء ابنته منذ أعوام من دون تحقيق أي تقدم لمعرفة مكانها وهوية خاطفيها، وبعد معرفته من قبل أحد المخضرمين في البوليس أن دوائر الشرطة سبق أن دربت شرطيين من الجنسين لاعتماد التنويم المغناطيسي عند خوض محاولات القبض على المطلوبين تفاديا لأخطار إصابتهم، يقتنع المحقق بضرورة اللجوء إلى هذه التقنية في البحث عمن اختطف ابنته، وتتوالى الأحداث والرسائل التي تبرز هذا الشق الغريب من عميلة البحث عن المجرمين.
إيقاع سريع بطيء
يراوح إيقاع أحداث الفيلم بين التسارع والإبطاء عن طريق تقنية الفلاش باك، إلا أنه يفتقر إلى التعمق والتفكير العميق، ويظهر ذلك من خلال التصوير المبالغ فيه من الناحية البصرية وفي الحوارات الباردة التي تتداخل مع تعقيدات السيناريو. يميل الفيلم إلى تمديد مدة المشاهد وزيادة تعقيد الحبكة بشكل زائد، ويبدو ذلك لضمان عدم تفويت المشاهد للتفاصيل المهمة. كما يظهر المخرج جرأة في استخدامه للزمان والمكان لنقل رسالته، حيث يتجاوز الحدود التقليدية للسينما من خلال تحدي الجمهور لفهم اللحظات الغامضة والمحادثات غير المفهومة. ويعزز هذا الاستخدام الجريء أيضا تأخير استعراض المشاهد وتمديد تطوير الحبكة بقدر ما يلزم، وذلك للحفاظ على اهتمام الجمهور بالإشارات والمفاجآت الواضحة.
إيرادات خجولة
تحت عنوان "الخسارة الفادحة لبن أفليك" تصدرت محركات البحث العالمية، ويعود ذلك إلى عدم تحقيق الفيلم الإيرادات الموقعة منه، حيث لم يحقق سوى 2.4 مليون دولار على مدار ثلاثة أيام، بعد عرضه، وتراجعت الإيرادات في اليوم الثاني لتصل إلى 790 ألف دولار، وتواصل التراجع لليوم الثالث بـ615 ألف دولار، ليأتي في المركز السابع بقائمة الإيرادات اليومية في شباك التذاكر، ويصبح أسوأ افتتاح لفيلم خلال العام، ويتوقع أن تخسر شركة الإنتاج عشرات الملايين، بعد أن تكلفت 65 مليون دولار لإنتاجه.