"حقائب الرياح" .. الحكمة شفاء للأرواح التائهة

"حقائب الرياح" .. الحكمة شفاء للأرواح التائهة
"حقائب الرياح" .. الحكمة شفاء للأرواح التائهة
"حقائب الرياح" .. الحكمة شفاء للأرواح التائهة

تلتقي عوالم الأدب والروح في رواية واحدة، تحمل عنوان "حقائب الرياح"، للروائية السعودية نورة المغربي، لتختبر مشاعر السلام والحب، الخير والمحبة، العشق الإلهي وعمق الإنسان، حيث حضرت كلها لتنتصر للإنسانية.
استنادا إلى مخيلة واسعة، وسطور تجمع الأدب والنثر بنكهة صوفية، تسرد المغربي في 30 فصلا معاناة فتاة في الغربة، غربة القلب والمكان، ووحشة الظلم الذي عانته في حياتها، وتستند الرواية في هذا كله إلى نفس شاعري، إذ تجمع الحياة تلك الفتاة بشيخ وعالم، ينير دربها بحكمته.
الرواية الإنسانية التي تقع في 224 صفحة عن دار حبر للترجمة والنشر، تمثل دعوة لفهم الروح والإيمان، وتحكي عوالم جديدة، بأسلوب سهل ومترابط، ولغة سردية ثرية.

إهداء إلى الحلاج

تهدي المغربي روايتها الأولى إلى روح الشيخ الحسين ابن منصور الحلاج، وإلى من أعاد إحياء ذكره وعشقه وتضحيته، وإلى الصوت العذب الروحاني الشجي الذي غنى قصائد الحلاج والأدب الصوفي، الشيخ أحمد حويلي، وألهم الكاتبة هذه الرائعة الأدبية.
ولم يكن شاعر الصوفية الحلاج مجرد اسم ورد في أحد سطور الرواية، وإنما كان حاضرا بقوة في الرواية، من خلال أدبه وقصته، فهو صاحب القصيدة الشهيرة بمطلعها المعروف (والله ما طلعت شمس ولا غربت إلا وحبك مقرون بأنفاسي)، التي تجسد علاقة أبطال الراوية ببعضهما.
وتستبق نورة المغربي روايتها بكلمات صارخة، تقول فيها إن شعوب العالم ما هي إلا أدوات للحروب والسياسات، يجدون أنفسهم وسط قرع طبول تعلن حربا لا ناقة لهم بها ولا جمل، وتنادي بوقف الحروب ووقف سيل الدماء والدموع "فإن الأرض لله، وإنما الإنسان ضيف عليها، وعلى الضيف التأدب".
الرواية، التي جاءت بغلاف يزدان برسمة للهنوف المغربي، كشفت عن موهبة روائية جديدة، إذ تطرق أبوابا قلما خاضت في الرواية المحلية، وتعرج فيها على مبدأ التسامح بين الأديان، وموضوعات فرعية متشابكة، كالعلاقات بين أتباع الأديان، وغيرها من الوظائف الإنسانية، وصولا إلى الأكراد وقضاياهم، والبحث عن الوطن والحب والعائلة.

الحكمة وتوازن الروح والعقل

يميل كثير من العلماء بأن تسمية الصوفية بهذا الاسم جاءت من الإغريق الذين يذهبون إلى أن معناها هو الحكمة، وفي الرواية التي تسلط الضوء على نفحات من الأدب الصوفي، تعرج على الصوفية بصفتها توازنا بين العقل والروح، الجسد والعبادة، الدين والدنيا، وبأن روح الله تتجلى في كل شيء خلقه، كالبشر والأحجار والأشجار، فهي اسم لا قياس ولا اشتقاق له في اللغة العربية، وأجمع العلماء أنه لقب، قال البعض إنه من الصوف، أي من لبس الصوف، وهناك من قال إنه مشتق من الصفاء، لكنه بعيد عن مقتضى اللغة.
وقال البعض إنه مشتق من الصف، أي أن الدين في الصف الأول، ورغم صحة المعنى، إلا أن الأصح أن الصوفية لم تسم نسبة للصف، حيث يميل الأغلبية أن المسمى منقول تعريبا من غير العربية، أي من الألفاظ الدخيلة على اللغة.

ألف زهرة حب

يقول جلال الدين الرومي إن عظمة العشاق من عظمة ما يعشقون، وفي الأحداث تتجلى الرومانسية والمواقف الصادقة والعذبة، البعيدة عن الغلو وفحش الفعل والقول.
ولا تخلو رواية "حقائب الرياح" من أبيات لأمهات القصائد العربية وأشهرها، ونثر شاعري رقيق على غرار: "أنفاسي كأنفاس عابد متبتل بعشق قمر منير، أحلق كالمجنون متكئا على باب مدينة نائمة، أهذي بكل ما قاله العشاق قبلي ولا يشفي غليلي، أستنشق عطرك محبوبتي فتزهر وسط قلبي ألف زهرة حب وعشق".
وفي وصف الأديبة المغربي للعلاقة الرومانسية بين أبطال الرواية دقة وجمالا يلمسه القارئ، مستمدا من ثقافتها وقراءاتها المتعددة في الأدب العربي والعالمي، حيث تشبه الجمال كدفء العلاقة بين جلال الدين الرومي وشمس الدين التبريزي، وتكيل المحبة بكل الطرق، كالحب بأشعار نزار وقيس بن الملوح، ورسائل جبران والعقاد إلى مي زيادة، ورسائل بول نيومان لزوجته، مثل الحب برسائل سارتر إلى سيمون دي بوفوار، وقد أحب جلال قمر بالكلمات الدافئة في الرسائل التي كانت بين فريدا كالو ودييغو ريفيرا، وبين فرجينيا وولف وفيتا ساكفيل ويست، وبين جورجيا أوكييف وألفريد ستيغليتس، تشارلز وراي إيمز، هنري ميلر وأنيس نين.

كن مصباحا وشفاء

كل فصل يزدان في مقدمته باقتباس من الأديب والإمام جلال الدين الرومي، يفسر في كل فصل من الفصول الـ30 قصة وريقات من الرواية، التي تشابه الفيلم الرومانسي الأمريكي الشهير (طعام صلاة حب)، المقتبس عن مذكرات تحمل العنوان ذاته للكاتبة الأمريكية إليزابيث جيلبرت، وتعد سيرة ملهمة، تكشف فيها الكاتبة عن الدروس التي تعلمتها من حياتها في التنقل وبحثها عن الروحانيات وأسرار الحياة.
ومن تجليات الرومي التي تستبق فصول الرواية، قوله (دع روحك تجذبك بصمت إلى ما تحبه فإنها لن تضلك أبدا)، و(لا تجبروا أحدا على اعتناق أرواحكم، فالحب مثل الدين لا إكراه فيه)، و(كن مصباحا، كن قاربا، كن سلما، كن شفاء للأرواح التائهة)، لتؤدي هذه المقولات بالقارئ إلى مغزى الفصل، والمعنى المنشود في قلبي نجمي الرواية.
وتسير رواية "حقائب الرياح" بقارئها إلى دهاليز وبدايات العلاقة بين الشيخ والبروفيسور في الفلسفة وعلم الأديان جلال بركات، والفتاة قمر طارق، الفتاة عربية الأصل التي لم تزر بلاد العرب مطلقا، ولا تحمل جواز سفر عربي، المسلمة التي تعمل في كاتدرائية، ويعود ذلك إلى عائلتها التي أسلمت قبل عقود، ولم يحرصوا على تغيير ديانتهم ورقيا، فأوراقها الثبوتية تذكر بأنها سويدية مسيحية.
وفي تفاصيل العلاقة كثير من الأسرار والخفايا، ليكتشف القارئ بمرور الصفحات والأيام أن البطلين كرديان، فهل هذه مصادفة؟ هذا ما تكشفه الرواية في فصولها المشوقة.

ليس للكردي إلا الريح

في ثنايا سطور الرواية، يكتشف القارئ مغزى عنوانها "حقائب الرياح"، الذي اختارته الروائية نورة المغربي مقتبسا من إحدى قصائد الشاعر الراحل محمود درويش (ليس للكردي إلا الريح)، ويقول فيها (الرياح وصية الكردي للكردي في منفاه)، كما يرى أيضا (ليس للكردي إلا الريح تسكنه ويسكنها).
ويبدو أن الروائية نورة المغربي تتفق مع محمود درويش فيما ذهب إليه، فهي تقول على لسان الكردي إن (الجبال وطني، والرياح كفني)، وحول هذه الفكرة ترد قمر نجمة الرواية بقولها: نحن أصدقاء الرياح، بل نحن الأكراد حقائب الرياح.

الأكثر قراءة