الذكاء الاصطناعي وإدارة المشاريع
تتداول الصحف ووسائل الإعلام الرقمية مفهوم إدارة المشاريع مع التوسع في رؤية المملكة 2030، ولذلك نرى أن أغلب - إن لم يكن كل - الجهات الحكومية والخاصة قد أنشأت مكتب إدارة المشاريع. ولكن توجد تقاطعات قادمة مع تقنية الذكاء الاصطناعي الذي لا يزال نجمه ساطعا في كل مكونات الصناعات. هل يستطيع الذكاء الاصطناعي بالفعل مساعدة إدارة المشاريع على القيام بمهامها المنوطة بها؟ وهل يمثل ذلك خطرا على وظيفة مدير المشروع؟ لقد ذكرت مجلة "هارفارد بزنس ريفيو" على لسان أنطونيو رودريجيز وريكاردو فارجاس في مقالهما المنشور في فبراير 2023 أنه تم إنجاز 35 في المائة فقط من المشاريع بنجاح لكن أحد أسباب هذا المعدل المخيب للآمال يعزى لانخفاض مستوى نضج التقنيات المتاحة لإدارة المشاريع. ويبدو أن هذا على وشك التغيير لأن الباحثين والشركات الناشئة والمنظمات المبتكرة شرعت في تطبيق الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة وغيرهما من التقنيات المتقدمة لإدارة المشاريع.
وبحلول 2030، سيشهد هذا المجال تحولات كبيرة. حيث ستعمل التقنية على تحسين اختيار المشروع وتحديد أولوياته ومراقبة التقدم وتسريع إعداد التقارير وتسهيل الاختبار. وسيجد مديرو المشاريع، بمساعدة مساعدي المشاريع الافتراضيين، أن أدوارهم تركز بشكل أكبر على التدريب وإدارة أصحاب المصلحة أكثر من التركيز على المهام الإدارية واليدوية المملة.
ولقد أوضح المؤلفان رودريجيز وفارجاس ماذا يجب على المنظمات التي ترغب في جني فوائد تقنيات إدارة المشاريع من خلال أن تبدأ الآن في جمع بيانات المشروع وتنظيفها وتنسيقها وإعداد موظفيها وتخصيص الموارد اللازمة لدفع هذا التحول التقني ومنه تبني تقنية الذكاء الاصطناعي.
لو تحدثنا بنوع من التفصيل، سنرى أنه يمكن لأدوات إدارة المشاريع المدعومة بالذكاء الاصطناعي جدولة المهام وإعادة جدولتها تلقائيا بناء على الأولويات المتغيرة والموارد المتاحة، ما يؤدي إلى تحسين الجداول الزمنية للمشروع. ويمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي على تقدير التكلفة بشكل أكثر دقة من خلال تحليل المشاريع السابقة وتحديد محركات التكلفة من خلال مراجعة وتدريب مكثف لبيانات سابقة. أما روبوتات الدردشة المدعمة بالذكاء الاصطناعي أو المعروفة، فهي تعمل على تبسيط المهام وإدارتها، كما تساعد أدوات التحليلات التنبؤية على تقدير موارد المشروع بدقة، وتبرز تأثير أتمتة المهام الروتينية في تحسين الإنتاجية، ويسمح للفرق بالتركيز على الابتكار. ويساعد الذكاء الاصطناعي على اتخاذ القرارات المستندة إلى البيانات، ما يجعل إدارة المشاريع أكثر كفاءة. ويمكن للذكاء الاصطناعي التوليدي أتمتة المهام المتكررة، مثل الجدولة وتخصيص الموارد، ما يحرر مديري المشاريع البشرية للتركيز على الأنشطة الاستراتيجية ذات المستوى الأعلى. وسيغير الذكاء الاصطناعي بعض مهام إدارة المشروع لكن الدور العام لمدير المشروع لن يختفي تماما، إذ بدلا من ذلك سيشهد مديرو المشاريع تحولا بعيدا عن إدارة المهام والمهام المتكررة نحو التخطيط الاستراتيجي. ولذلك يجري التنويه على استخدام الذكاء الاصطناعي مساعدا رقميا. ومنذ إصدار ChatGPT، أيقن البعض أن هذه التقنية ستكون بديلا لمديري المشاريع، وهذا غير صحيح، حيث إن خبرة مدير المشروع ضرورية وإن الذكاء الاصطناعي له أيضا حدوده، مثل الصعوبات في التعامل مع المشكلات المعقدة أو القدرة المفقودة على التعاطف. وبالتالي يمثل الذكاء الاصطناعي مساعدا لمدير المشروع لأتمتة عديد من جوانب أعمال إدارة المشاريع. وكل من هذه التغييرات عبارة عن تحسينات مفيدة للغاية، وربما تقلل من العمل اليومي لمدير المشروع، وعليه لا يوجد تهديد حقيقي موجه لوظيفة مدير المشروع. ولكن سيؤثر الذكاء الاصطناعي في مستقبل إدارة المشاريع ويغير الطريقة التي يتعامل بها المحترفون مع مشاريعهم.