احتفل وابتهج .. لا داعي أن يكبلك التفكير في كتلة جسمك
غالبا ما تكون فترة ما بعد الكريسماس وقتا لموازنة الأمور، سواء بتقييم كيف سار العام أو الاستعداد للعام المقبل. أما لآخرين، فهو مجرد وقت للوزن، الوقوف على ميزان دورة المياه فيما يفكرون بأسى في عدد أعشية الديك الرومي وفطائر اللحم المفروم التي تناولوها.
ربما تتضمن الظاهرة الموسمية، الندم من تناول الأعشية، إجراء تقدير هلع لمؤشر كتلة الجسم، الذي يتم حسابه بقسمة الوزن بالكيلوجرام على مربع الطول (الطول بالأمتار). إن الخبر المطمئن هو أن بعض الذين لديهم مؤشر كتلة أعلى من النطاق "الصحي" الذي حددته منظمة الصحة العالمية قد يكون لديهم دواع أقل للقلق مما كانوا يعتقدون في السابق. فهذا العام، أعلنت الجمعية الطبية الأمريكية أن المؤشر "مقياس منقوص" للصحة الطبية و"مضلل بشأن تأثيرات كتلة الدهون في الجسم على معدلات الوفيات". ولا ينبغي، كما أكد أطباء، أن يستخدم مؤشر كتلة الجسم وحده لرفض تغطية التأمين لتكاليف العلاجات.
يعكس تراجع شعبية مؤشر كتلة الجسم إدراكا متزايدا بأن هذا المقياس مثقل بأعباء علمية وتاريخية، الأمر الذي يجعل إعادة تقييمه خطوة معقولة. يهدف المؤشر إلى توضيح السمنة المفرطة، أو مستويات الدهون في الجسم، التي من الناحية النظرية ينبغي أن تترجم بدقة إلى خطر الإصابة بالأمراض المرتبطة بالوزن مثل أمراض القلب والسكري.
لكن النطاق الأمثل من 18.5 إلى 24.9 لا يأخذ في الحسبان شكل جسم الفرد، ولا النسب المختلفة للعضلات والدهون والعظام. وهو مرتفع بشكل مضلل بالنسبة إلى الرياضيين ذوي العضلات الكبيرة مثلا. كما أنه تجاهل تاريخيا الشعوب غير البيضاء، وتعود أصوله إلى الهاجس العلمي بما هو طبيعي أو مرغوب فيه أو مثالي، ما يمنحه ارتباطا مشبوها بإيديولوجية علم تحسين النسل.
يقول ديفيد ستينسل، أستاذ في عمليات الأيض في جامعة لوفبرا في إنجلترا ورئيس تحرير المجلة الدولية للسمنة: "أعتقد أنه قد حان لنا أن نتوقف عن استخدام مؤشر كتلة الجسم وحده". وأخبرني أن بعض أولئك الذين يعدون من ذوي الوزن الزائد (مؤشر كتلة الجسم 25-30)، قد لا يصابون بالأمراض طوال حياتهم، حتى أن بعض الدراسات تشير إلى أن زيادة الوزن مرتبطة بفوائد صحية. ويضيف ستينسل أن أخذ ضغط الدم أو مستوى الكوليسترول في الحسبان يعطي صورة أصدق عن صحة الشخص.
وما يزيد الأمور تعقيدا، أنه لا تتعرض جميع المجموعات السكانية للمخاطر ذاتها بالأوزان نفسها. فأولئك الذين ينتمون إلى أصول جنوب آسيوية، بمن فيهم أنا، فإن الحد الأعلى "للنطاق الصحي" أقل، عند 23، وهو يعكس احتمالا أعلى للإصابة بالسكري. أما النساء الأمريكيات من أصل إفريقي، فقد يكون الحد الأعلى قريبا من 28.
ولهذه الأسباب، فإن ما يسمى نظام إدمونتون لتحديد مراحل السمنة، الذي يشجع على خسارة الوزن لأولئك الذين يعانون سمنة مفرطة، يكتسب مؤيدين في الحقول طبية.
ومع ذلك، لا يعتقد ستينسل أنه ينبغي إهمال مؤشر كتلة الجسم تماما، فاستخدامه في آلاف الدراسات خلال عقود يسمح بإجراء مقارنات واسعة النطاق. وهذا يلخص قيمته، فمؤشر كتلة الجسم يظهر الصورة الكبرى للمخاطر على مستوى السكان بصورة جيدة لكنه يفقد فاعليته عندما يطبق على فرد واحد. ويقول ستينسل: "إذا كان مؤشر كتلة جسمك في الأربعينيات أو الخمسينيات، فإن احتمالات إصابتك بمرض السكري أعلى بكثير مما لو كان في العشرينيات. لكن شخصا ما بمؤشر كتلة جسم تبلغ 30 قد لا يصاب بمرض السكري على الإطلاق". فالأمر يتعلق بالاحتمالات، وليس القدر.
اليوم، ينظر إلى محيط الخصر (أو نسبة الخصر إلى الورك) على أنه بديل مفيد أو مقياس تكميلي، لأنه يعتقد أن اكتناز الدهون بالقرب من الأعضاء الحيوية أمر خطر، ومن المثير للاهتمام أن كرش الذكر في منتصف العمر قد يفسر سببا لكون الرجال أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب من النساء. وتشمل الطرائق الأخرى لقياس الدهون في الجسم قياس سمك ثنايا الجلد، وتحليل المعاوقة الكهربائية الحيوية، الذي يتضمن تمرير تيار عبر الجسم (دهون أكثر تعني مقاومة أعلى)، والوزن تحت الماء (للدهون قوة طفو أعلى من العظام أو العضلات)، والتصوير بالرنين المغناطيسي، وقياس امتصاص الأشعة السينية المزدوجة "دكسا"، بإجراء مسح على الأنسجة الدهنية والكتلة الخالية من الدهون وكثافة العظام.
من المؤكد أن العلم قد تقدم كثيرا منذ ثلاثينيات القرن الـ19، عندما بدأ أدولف كويتيليت العالم البلجيكي متعدد الاختصاصات في جمع الإحصاءات عن الشخص العادي. لقد حسب أن وزن البالغين وأطوالهم يمكن ربطهما في معادلة، وجذبت أبحاثه المتعلقة بالقياسات البشرية انتباه فرانسيس جالتون، الذي أسس علم تحسين النسل في القرن الـ19. كما نال مؤشر كويتيليت إعجاب خبراء التأمين في القرن الـ20، الذين لجأوا إليه لتحديد العلاقة بين السمنة والوفاة المبكرة لشركات التأمين. وفي سبعينيات القرن الماضي، أعيد اكتشاف الصيغة وأعيد تسميتها بمؤشر كتلة الجسم، ثم وضعت منظمة الصحة العالمية إرشادات لاستخدامه في 1995.
وبعد ما يقارب ثلاثة عقود، بدأ المنطق السليم يتغير مرة أخرى. فإنقاص الوزن ليس من أجل التبختر أو ملاحقة رقم عشوائي، كما يقول ستينسل، بل "للانخراط في الحياة وعيش الحياة التي تريدها".
هذه رسالة أتت في الوقت المناسب للتوازن والاعتدال والأمل، وسأحتفل بها بكل سرور.