ثورة في تشخيص أمراض القلب يقودها الذكاء الاصطناعي
يتجمع الأطباء والممرضات في مركز جولبورن الطبي، الذي يوجد في واحدة من أكثر المناطق حرمانا في المملكة المتحدة، في غرفة فحص صغيرة، متلهفين لتجربة سماعة طبية جديدة.
هذه الأداة تشبه الأدوات المستخدمة في العيادة، التي لم تتم إعادة تصميمها منذ نحو 200 عام. لكن هذه الأداة فيها اختلاف كبير: فهي تستخدم الذكاء الاصطناعي للكشف عن أمراض القلب على الفور.
تعد عيادة جولبورن، التي تقع على خط السكة الحديدية من حي نوتنج هيل الراقي في لندن، واحدة من 200 عيادة للأطباء العامين في شمال غرب لندن وويلز تتلقى سماعة طبية تعمل بالذكاء الاصطناعي في أول نشر لهذه التكنولوجيا في المملكة المتحدة في الرعاية الأولية. ويأتي نحو نصف مرضى عيادة جولبورن من الأقليات العرقية من غير ذوي البشرة البيضاء، والذين يميلون إلى مواجهة خطر أكبر للوفاة بسبب أمراض القلب.
جرى ترخيص الأداة من قبل الهيئات التنظيمية الطبية لاستخدامها من قبل الأطباء العامين وستكون أول منتج للذكاء الاصطناعي يمكن الاعتماد عليه لوصف الأدوية المنقذة للحياة دون الحاجة إلى مراجعة متخصصة أولا.
تعد تشخيصات الذكاء الاصطناعي بتغيير الأمور لخدمة الصحة الوطنية في المملكة المتحدة وموظفيها، الذين يعملون تحت ضغط هائل. ومع توجه الخدمة الصحية إلى ما يتوقع أن يكون واحدا من أقسى فصول الشتاء، أظهرت الأرقام في أكتوبر أن عدد الناس على لائحة الانتظار بلغ رقما قياسيا يقارب 7.7 مليون موعد غير طارئ.
إذا تم تصميم واختبار برمجية الذكاء الاصطناعي هذه بشكل صحيح، فمن الممكن أن تعطي نتائج فورية، وهي رخيصة الثمن للنشر على نطاق واسع ويمكن أن تساعد على تحديد أولويات المرضى وفرزهم في قوائم الانتظار. ومن الممكن أن تساعد سرعة هذه التكنولوجيا على تجنب الآلاف من الوفيات الزائدة مع توفيرها مبالغ كبيرة على الخدمات الصحية المثقلة بالأعباء.
وقال ميهير كيلشيكر، طبيب القلب التابع لخدمة الصحة الوطنية وزميل طبي في عيادة في الصحة الرقمية في إمبريال كوليدج لندن، يشرف على نشر الأداة الجديدة: "هناك نحو 300 ألف مريض على قوائم الانتظار التشخيصية لأمراض القلب".
وقال الخبراء إن معدل انتشار أمراض القلب في المملكة المتحدة من المرجح أن يكون نحو ضعف الأعداد المسجلة.
الهدف من سماعة الطبيب المدعمة بالذكاء الاصطناعي، التي صممتها شركة إيكو التابعة لمايو كلينك، سد هذه الفجوات وإنقاذ حياة مرضى القلب الذين يحتاجون في النهاية إلى رعاية الطوارئ في المستشفى. قال كيلشيكر: "هذا طريق لعلاج المرضى مبكرا أثناء انتظارهم".
مقابل كل مريض يتم نقله إلى الرعاية الأولية، قبل إدخاله لقسم الطوارئ، توفر خدمة الصحة الوطنية 2،500 جنيه استرليني. وقال كيلشيكر: "سيؤدي توسيع ذلك عبر قطاع واحد فقط في شمال غرب لندن... إلى تحرير نحو مليون جنيه استرليني سنويا للنظام فورا".
غالبا ما يكون الإجراء التقليدي معيبا. حيث يجري الأطباء العامون التشخيص الأول باستخدام السماعات الطبية العادية وحكمهم السريري. ومع ذلك، فإن الأعراض الشائعة لفشل القلب، مثل التعب وانتفاخ البطن، تكون عامة جدا وفي الأغلب ما يتم تجاهلها أثناء المواعيد الروتينية التي تستغرق عشر دقائق، ما قد يؤدي إلى إصابة المرضى بمرض شديد.
يحتاج أي تشخيص لمرض القلب إلى إجراء فحص دم للتأكد من صحته إضافة إلى الإحالة إلى أخصائي لإجراء مخطط كهربية القلب، أو المسح الضوئي. لا يمكن علاج المرضى دون تأكيد من كلا الاختبارين.
رغم أن التشخيص من المفترض أن يتم في غضون ستة إلى ثمانية أسابيع، إلا أن الأمر يستغرق حاليا، في المتوسط، من ثمانية إلى 12 شهرا لرؤية طبيب قلب في المملكة المتحدة.
قال كيلشيكر: "هناك نحو 30 ألف حالة وفاة زائدة سنويا، أثناء انتظار هذه الأنواع من الاختبارات. وهنا تكمن عنق الزجاجة، "فالناس يموتون بلا داع".
في عيادة جولبورن في نوفمبر، جرب باتريك شتايجر، طبيب في خدمة الصحة الوطنية في طب الحالات الصعبة وباحث في الصحة الرقمية، سماعة الطبيب التي تعمل بالذكاء الاصطناعي على رونالد، مريض يتعافى من نوبة قلبية. قام شتايجر، وهو شريك كيلشيكر في المشروع، بوضع مقدمة السماعة الطبية على صدر رونالد لمدة 15 ثانية، بينما قامت الخوارزميات الأساسية بتحليل إيقاع قلبه وتحميل النتائج على الإنترنت على الفور.
وقد انبهرت ياسمين رزاق، كبيرة الأطباء العامين في العيادة، بسرعة الأداة وسهولة استخدامها، والقياسات الدقيقة التي أجراها البرنامج. وسبق لها أن جربتها بالفعل على مريض قلب خلال زيارة منزلية. وقالت: "نصل إلى مزيد من السكان الذين يكافحون عادة للحصول على الرعاية الصحية. هناك إمكانية لإجراء فحص على مستوى السكان هنا، لأن الأمر يتعلق بالرعاية الأولية أولا".
سيحتاج الأطباء إلى تأكيد تشخيص الذكاء الاصطناعي عبر فحص الدم، الذي يستغرق عادة أسبوعين لإكماله محليا. ويمكن وصف الأدوية على الفور.
تقليديا، كان على الشركات الناشئة تجربة، وتمويل واختبار التكنولوجيا الخاصة بها مع المستشفيات الفردية وصناديق خدمة الصحة الوطنية، وهي الهيئات المسؤولة عن توفير الرعاية الصحية في المناطق.
وقال كيلشيكر إن هذا يبطئ عملية التوسع ويمكن أن يصبح عائقا أمام اعتماد هذه التكنولوجيا.
إن سماعة الطبيب المعتمدة على الذكاء الاصطناعي لم تعد في مرحلة تجريبية ولا تحتاج إلى ملء استمارة أو طلبات موافقة ورقية، حسبما قال كيلشيكر للموظفين الطبيين في جولبورن، الذي يقع في الحي الأكثر حرمانا في لندن وثاني أكثر الأحياء حرمانا في المملكة المتحدة.
وقال: "يشبه الأمر تقديم رسم تخطيط القلب للمريض أو إجراء فحص باستخدام سماعة الطبيب. ونطلب منكم استخدام هذه السماعة مع كل شخص بالغ يدخل إلى هذه العيادة. والسبب في ذلك هو سد الفجوة في الكشف عن أمراض القلب هذه".
وفي غضون 15 ثانية، يمكن لسماعة إيكو الطبية اكتشاف ثلاثة أنواع من أمراض القلب: قصور القلب، الذي يمثل ما يصل إلى 4 في المائة من الميزانية السنوية لخدمة الصحة الوطنية، الرجفان الأذيني أو عدم انتظام ضربات القلب، وهو السبب الأكبر للسكتة الدماغية، وأمراض صمامات القلب.
تمكن جهاز شركة إيكو في الدراسات السريرية من اكتشاف نحو 85 في المائة من حالات قصور القلب القابلة للعلاج لدى المرضى. وكان له خصوصية بنسبة 93 في المائة مقابل اختبار الدم، ما يعني أن المرضى الذين تم تشخيصهم بالذكاء الاصطناعي لديهم دائما اختبار دم غير عادي أيضا.
وقالت رزاق، التي كانت تستخدم سماعة إيكو الطبية منذ بضعة أسابيع، إن سماعة الذكاء الاصطناعي تبدو أقل تقليدية في تصميمها، مقارنة بالسماعات الأخرى التي استخدمتها، الأمر الذي قد يمنح الأطباء الأكبر سنا سببا للتوقف. كما تتطلب الأداة جهازا محمولا للاقتران بها وشحنا منتظما - وهي خطوات إضافية يجب عليها وعلى الآخرين التعود عليها.
ومع ذلك، قالت إن استخدام الأداة في ممارسات الطبيب العام "يتحدث عن نفسه". وقالت: "لقد رأيت الإثارة حول هذه السماعة الطبية، فالجميع يرى قيمتها، والعيادات العامة هي العيادات التي عادة ما تكون مشغولة لدرجة لا يمكنها إحداث التغيير، ولا يمكنهم تجربة التكنولوجيا الجديدة".
"إنها تعيد ربط الأطباء العامين بما يحبونه في وظائفهم في الرعاية الأولية، ما يحدث اختلافات ذات معنى في صحة مرضاهم".