العمل الخيري .. الوجه الآخر لأدوية مكافحة السمنة والسكري
قبل قرن من الزمان، وعد صانعو دواء ثوري جديد يسمى الأنسولين بعدم تحقيق "أرباح فاحشة غير أخلاقية". وقد أدى التزامهم إلى إنشاء ما يعد الآن أكبر مؤسسة خيرية في العالم، مدعومة بأحدث التطورات الرئيسة في العلوم الطبية: أدوية مكافحة السمنة.
تعد مؤسسة نوفو نورديسك المساهم المسيطر في شركة الأدوية الدنماركية نوفو نورديسك، وهي حاليا الشركة الأكثر قيمة في أوروبا بفضل ارتفاع مبيعات أدوية ويغوفي وأوزمبيك لإنقاص الوزن ومرض السكري. وتمتلك المؤسسة 77 في المائة من حقوق التصويت في شركة نوفو و28.1 في المائة من أسهمها.
وقال الرئيس التنفيذي مادس كروجسجارد تومسن لصحيفة "فاينانشيال تايمز" في مقابلة في مقر المؤسسة في كوبنهاجن: إنه تفاجأ من الشعبية المتزايدة للأدوية، المعروفة باسم جي إل بي-1 إس (GLP-1s) نسبة إلى الهرمون الذي تحاكيه. "إنه كحلم أصبح حقيقة".
وقبل أن يتولى إدارة المؤسسة، غير المعروفة كثيرا خارج بلدان الشمال الأوروبي، كان كروجسجارد تومسن كبير المسؤولين العلميين في نوفو نورديسك. وهكذا، ساعد على قيادة تطوير الأدوية التي غيرت ثروات الشركة.
وبفضل دواءي ويجوفي وأوزمبيك إلى حد كبير، ارتفعت أصول المؤسسة الخاضعة للإدارة بنسبة 300 في المائة في الأعوام العشرة الماضية، ووفقا لكروجسجارد تومسن، فإنها تتطلع الآن إلى التوسع في الخارج.
"إنه لأمر مرض للغاية أن نكون قد صنعنا أو كنا مسؤولين عن صناعة كل هذه الأدوية. والآن، بعد أن أدركنا أن بعض الأرباح التي تدرها، يمكننا أن نعيدها إلى المجتمع، في شكل أعمال خيرية، وفي شكل أبحاث ومنح وتعليم وحتى استثمارات في بعض الأحيان".
في أوائل عشرينيات القرن الـ20، كان الدنماركي الحائز جائزة نوبل أوجست كرو في جولة لإلقاء خطابات في الولايات المتحدة عندما سمع عن اكتشاف الأنسولين. وكانت زوجته ماري، وهي طبيبة، مصابة بمرض السكري وحثته على السفر إلى كندا للحصول على إذن من العلماء لإنتاج الدواء في الدول الاسكندنافية.
ووفقا لكروجسجارد تومسن، قال العلماء نعم - بشرط واحد: ألا تجني الشركة التي أسسها كرو مع العالم هانز كريستيان هاجيدورن والصيدلي أوجست كونجستيد، التي كانت تسمى في البداية نورديسك إنسولينلابوراتوريوم، "أرباحا غير أخلاقية". وبدلا من ذلك، قالوا إن عوائد بيع الأنسولين يجب استثمارها في الأبحاث.
وقد تحقق ذلك عبر إنشاء مؤسسة لامتلاك الشركة بعد عام من تأسيسها. حيث تعد ملكية المؤسسات أمرا شائعا في الدنمارك: فشركة الجعة كارلسبيرج وكذلك شركة ميرسك للشحن مملوكتان جزئيا أيضا للمؤسسات.
وفي حالة نوفو نورديسك، وبفضل نجاح دواء جي إل بي-1إس (GLP-1s)، أصبحت المؤسسة التي تملكها الآن أكبر من مؤسسة بيل وميليندا جيتس أو مؤسسة ويلكوم تراست، وهما قوتان أخريان لتمويل البحوث الطبية والعمل الخيري.
وفي الأعوام العشرة الماضية على وجه الخصوص، ارتفعت الأموال التي تدفعها لها شركة نوفو نورديسك على شكل توزيعات أرباح ومن خلال عمليات إعادة شراء الأسهم، ارتفعت بنحو 180 في المائة خلال تلك الفترة إلى 14.2 مليار كرونة دنماركية (2.1 مليار دولار) في العام الماضي. وبنهاية العام الماضي، كان لدى المؤسسة أصول بقيمة 805 مليارات كرونة دنماركية أو 116 مليار دولار.
وقال كروجسجارد تومسن: إنها تدفع أقل من نظيرتيها المعروفتين، لأن أصولها أقل سيولة وهدفها هو البقاء إلى الأبد. لكن مع توزيع نحو 4 في المائة من أصولها كل عام، فهي لا تزال واحدة من أكبر ثلاث منظمات خيرية من حيث القدرة على التبرع.
ومن أهدافها محاولة معالجة الأسباب الجذرية للسمنة ومرض السكري. كما أنها تمول الأبحاث حول علوم الخلايا الجذعية وتغير المناخ وتقدم الدعم للقضايا الإنسانية، مثل توفير الملاجئ والأدوية الأساسية لأوكرانيا.
بشكل عام، يشعر كروجسجارد تومسن أن الوقت قد حان للمؤسسة لبناء مكانتها الدولية. وقال: "لا أعتقد أنه قبل خمسة أعوام، كنت ستعرف ما هي هذه المؤسسة، لذلك نحن نتغير قليلا".
لقد أصبحت شركة نوفو نورديسك أكبر شركة في أوروبا من حيث القيمة السوقية بسبب الطلب المتزايد على أدوية إنقاص الوزن ومرض السكري. حتى الآن، يعني النقص أن دواء ويجوفي متوافر فقط في عدد قليل من الأسواق - وبتكلفة عالية. فسعره في الولايات المتحدة يزيد على 1300 دولار شهريا.
لكن المؤسسة تريد استخدام هذه الثروات الجديدة للاستثمار في أبحاث المراحل المبكرة حول السمنة وغيرها من أمراض القلب والأوعية الدموية -التي تشمل مرض السكري والسكتات الدماغية والنوبات القلبية- وفي نهاية المطاف الاستثمار في صنع علاجات أرخص.
وقال كروجسجارد تومسن: إن أمراض القلب والأوعية الدموية "تعاني نقصا شديدا في التمويل"، مقارنة بالجهود الخيرية لمكافحة الأمراض المعدية، خاصة في البلدان الفقيرة. وأضاف أن عدد الأشخاص الذين يموتون بسبب أمراض القلب والأوعية الدموية أكبر من عدد الوفيات بسبب الأمراض المعدية، وكما أظهر فيروس كوفيد - 19، فإن أمراض القلب يمكن أن تزيد من المخاطر الناجمة عن الأمراض المعدية.
كما تقوم المؤسسة بتمويل مركز الأبحاث الأيضية الأساسية، بالتعاون مع معهد برود الذي يركز على علم الجينوم في بوسطن، كما أنشأت مركزا لصحة الطفولة يهدف إلى تعزيز الوزن الصحي للأطفال.
وفي أجزاء من الهند وشرق إفريقيا، تقوم المؤسسة بتعليم أخصائيي الرعاية الصحية كيفية تحسين الوقاية وعلاج الأمراض غير المعدية مثل مرض السكري. وقد افتتحت أخيرا أول مكتب لها في دلهي.
وقالت كاثرينا روسكويتا، المديرة التنفيذية المؤسسة لمركز الأعمال الخيرية عالية التأثير بجامعة بنسلفانيا، إنه مع بدء تمويل مشاريع خارج بلدان الشمال الأوروبي، سيكون من المهم للمؤسسة العثور على شركاء محليين ذوي خبرة.
وقالت: "إذا كنت ستذهب إلى بلد آخر، أو حتى إلى حي آخر، فمن الغطرسة أن تعتقد أنه يمكنك الدخول بسرعة وتقديم المساعدة دون شركاء موجودين هناك بالفعل للمساعدة في التغلب على ظروف محددة".
وقالت روسكويتا: إنه من الإيجابي أن ترغب المؤسسة في استخدام خبرتها في مبادرات مكافحة السمنة في البلدان النامية، لكنها أضافت أن "المراقب المتشكك" قد يرى أيضا وجود صلة بفتح أسواق جديدة. كما شددت المؤسسة على أنها كيان منفصل عن شركة نوفو نورديسك، التي كانت لديها بعض العمليات الإدارية الخلفية في الهند لأعوام عديدة.
والفرق الآخر هو أن بإمكان المؤسسة أن تشارك نتائجها مع الأنظمة الصحية على نطاق أوسع لأنها، على عكس الشركات، ليست بحاجة إلى حماية بيانات الملكية. وفي حين أن الشركة تتبرع بالأنسولين العام في الأسواق النامية، إلا أن المؤسسة يمكنها التركيز على تشغيل البرامج باستخدام الأدوية المكافئة الرخيصة - تلك المتوافرة الآن، مثل الستاتينات لخفض الكوليسترول، ولاحقا جي إل بي-1إس (GLP-1s)، عندما تخرج من حماية براءة الاختراع.
وقال مارتن ريدرسترول، نائب الرئيس الأول للعلوم الطبية في المؤسسة، إن الابتعاد عن إدارة أمراض القلب والأوعية الدموية نحو إيجاد العلاج لها هو "أمر لا بد من تحقيقه" خلال الأعوام الخمسة إلى العشرة المقبلة.
"إذا كنت مصابا بالسرطان، فإن الكلمة التالية التي تريد سماعها هي العلاج، أليس كذلك؟ فأنت لا تتوقع مني أن أخبرك أنني سأساعدك على إدارة مرض السرطان. ولكن إذا أخبرتك أنك مصاب بمرض السكري، سأقول لك: سأساعدك ليس على علاجه بل على إدارة المرض. هذا غريب. هناك حاجة إلى نقلة نوعية".
وعديد من أهداف المؤسسة لها آفاق على المدى الطويل. ففي العام الماضي، أطلقت مركز رينيو، وهو مركز مؤسسة نوفو نورديسك لطب الخلايا الجذعية، لدعم الأبحاث في الدنمارك وأستراليا وهولندا. وأن كروجسجارد تومسن متحمس للإمكانات التي تنطوي عليها الخلايا الجذعية. إذ يتم إنتاج هذه الخلايا في نخاع العظم، وقد تعلم العلماء كيفية تحويلها إلى أنواع أخرى من الخلايا.
وقال: إنه في غضون أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع، "يمكننا إنشاء أي نوع من الخلايا البشرية، والمتمايزة بالكامل، وذات كفاءة كاملة في المختبر... يمكننا في الواقع تجديد الأنسجة المفقودة – مثل خلايا بيتا لمرض السكري، والخلايا العصبية الدوبامينية لمرض باركنسون، وخلايا القلب النابضة لمرض فشل القلب".
ويكمن التحدي الآن في إنتاج هذه الخلايا على نطاق واسع وبدرجة نقاء عالية تكفي لاستخدامها في العلاج.
إجمالا، استثمرت المؤسسة أكثر من ثلاثة مليارات كرونة دنماركية (400 مليون دولار) في أبحاث الخلايا الجذعية، ومنها في منشأة تصنيع جديدة. وقال: "عندما كنت رئيسا لقسم البحث والتطوير، شعرت دائما أنه يجب علي التأكد من أنني استثمرت كل كرونة دنماركية لتحقيق أقصى قيمة للمرضى والمساهمين في المستقبل. وهنا يمكننا أن نفعل الشيء نفسه، لكن يمكننا أيضا أن نضع بعض الرهانات الأخطر".