هل تنجح أفكار القطاع الخاص في غسل سمعة البيروقراطية؟

هل تنجح أفكار القطاع الخاص في غسل سمعة البيروقراطية؟

انتهت مهنة تشارلز لاندري الأولى كموظف بيروقراطي في بروكسل بالفشل، في امتحان الحصول على عقد دائم عندما كان في الـ27 من عمره. وقد منحته هذه التجربة كراهية دائمة للمنظمات الكبرى، لكنه أمضى بقية حياته يفكر في كيفية إصلاحها.
يقود لاندري، الذي يبلغ من العمر الآن 75 عاما، مسيرة لإصلاح بيروقراطية القطاع العام. فعبر جلب أفكار الابتكار والقطاع الخاص إلى أنظمة الدولة المتضخمة، وغير الفعالة في كثير من الأحيان، يريد أن يجعلها أكثر جاذبية للموظفين وأفضل في خدمة المواطنين.
ويقول "إن مجموعة من المسؤولين الحكوميين، والأكاديميين ورجال الأعمال ومستشاري القطاع الخاص من شتى أنحاء العالم يتعاملون الآن مع الابتكار في القطاع العام باعتباره ضرورة حتمية وفرصة في الوقت نفسه.. بدءا من تصميم السياسات حتى تقديم الخدمات".
لم تتمتع البيروقراطية بسمعة طيبة أبدا. وقد وصفتها الفيلسوفة حنة أرندت بأنها "أشد أشكال الحكم قسوة"، والروائي جوزيف كونراد، بأنها "قاتلة أي شيء يتنفس هواء السعي الإنساني".
لكن بالنسبة إلى عدد متزايد من القادة والممارسين، فإن الأنظمة المرهقة في القطاعات العامة، وأحيانا الخاصة، تشكل أرضا خصبة لتنمية شيء أفضل. إنهم يجربون أنواعا جديدة من البيروقراطية، بدءا من الفرق الإبداعية المتفوقة إلى تبادل الوظائف والأدوات التكنولوجية.
تقول تاتيانا مونيوز، مكسيكية المولد، وعضو مجلس إدارة بي دي، شركة استشارية أنشأتها الحكومة الألمانية لتنظيم البيروقراطية سيئة السمعة في البلد، "إن ما هو على المحك ليس فقط حصول دافعي الضرائب على القيمة مقابل المال بل بقاء الديمقراطية".
بصفتها عمدة متطوعة لمدينة ماينز، تحاول مونيوز إضفاء طابع الإنسانية على الحكومة، عبر استراتيجية تسمى الاستماع النشط، التحدث بنية البحث بشكل أعمق، وليس الاستجابة ببساطة.
كما استمعت للناخبين الذين خاب أملهم في السياسة السائدة بعد أن واجهوا بيروقراطية معيقة مثل التأخير في إصدار الوثائق الذي حال دون سفر العائلات.
تقول "بدأ الناس يتذمرون من السياسة، لقد أخبروني بأنهم سيصوتون لمصلحة الحزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف أو لن يصوتوا على الإطلاق. واتضح أن لديهم تجربة سيئة مع الخدمة العامة.. هذه الأشياء التي تبدو صغيرة لها تأثير حقيقي في حياة الناس. التكتيك الدفاعي الوحيد لديهم هو تصويتهم".
في صباح أحد الأيام، تمت مكافأتها بكلمة دانكي "شكرا بالألمانية" كبيرة كتبت بالطباشير على الرصيف خارج منزلها. "ما زلت أتلقى ردود فعل إيجابية من الناس في الشارع. وفي كثير من الأحيان لم أتمكن من حل مشكلاتهم. لكن كثيرين ظلوا يقولون لي، "الشعور بأن أحد السياسيين شعر بي كان ثمينا بالنسبة إلي".
كان الاستماع النشط أيضا عاملا أساسيا في تحسين عملية جمع النفايات في بيرو عندما بدأت ألبينا رويز، الباحثة التي أصبحت وزيرة للبيئة، في سؤال جامعي النفايات في البلد عن كيفية منع تراكم القمامة في شوارع ليما. أدى هذا التمرين في النهاية إلى تطهير الفساد في الإنفاق على إدارة النفايات، وتحسين ظروف العمال الذين أصبحوا معروفين بأنهم "القائمون بإعادة التدوير" مع الحماية القانونية.
في وظيفتها السابقة كمحامية مشتريات، لم تكن أنجا ثيورر على دراية بالعمل الرشيق. لكن توليها منصب المديرة المالية لوحدة الإنترنت التابعة للقوات المسلحة الألمانية أجبرها على التعلم بسرعة كيفية تجميع فرق متعددة الوظائف لاختبار وتقييم التكنولوجيا الجديدة.
تقول ثيورير "أردنا أن نظهر أنه من الممكن إجراء عمليات الشراء بسرعة وبطريقة تتوافق مع قانون الاتحاد الأوروبي". وتقول "إن وحدة الابتكار، معزولة عن العمل كالمعتاد، قدمت إطارا متحررا حيث يمكن للمسؤولين أن يقرروا بحرية ما يجب القيام به لإنجاح الأمور.
تكتشف تكنولوجيا رائعة، وترى أنها قد تم شراؤها، وترى وحدة مستعدة للاختبار وترى أن عملك له معنى".
ويظل الخوف من الفشل يشكل عائقا في أجزاء كبيرة من القطاع العام، خاصة في ألمانيا، حيث تقول ثيورير "إذا فشلت كموظف مدني، فسيتم قطع رأسك".
يوضح توم بيرك، المؤسس المشارك لشركة الاستشارات البيئية إي 3 جي، أن قلة تحمل السياسيين المخاطر "تحد من قدرة البيروقراطيين على التعلم من ممارسات القطاع الخاص الناجحة وتبنيها".
كان رد فنلندا قبل أكثر من عقد من الزمان هو إعلان يوم وطني للفشل، وهو من بنات أفكار رواد الأعمال الطلاب الذين أدركوا أنه لتحقيق النجاح، يحتاج البلد إلى تجربة أشياء جديدة والمخاطرة بالسير على نحو خاطئ.
يقول تومي لاتيو، الذي عمل في الحكومة المحلية الفنلندية لمدة عشرة أعوام قبل أن يصبح زميلا في جامعة جونز هوبكنز "نحب قصص الأبطال الخارقين الذين يحصلون على نتائج بقوة هائلة وتميزهم المتفوق. لكن البيروقراطية الإبداعية الحقيقية عملية صارمة للتعاون مع الآخرين لوضع الأمور في نصابها الصحيح".
وكان الدافع الآخر للتغيير هو التنافس على الموظفين الموهوبين مع القطاع الخاص.
يقول لاندري "لتوظيف الأفضل، تحتاج البيروقراطية إلى تغيير ثقافتها وأن تصبح أكثر انفتاحا ويسهل الوصول إليها". ويضيف أن "الهدف يمكن أن يتفوق على الأجر باعتباره حافزا للشباب الذين لا يرغبون في العمل في منظمات لا تتوافق مع الطريقة التي يعملون بها لبقية حياتهم".
في ليتوانيا، تعمل إحدى الهيئات الحكومية على جذب المهنيين العاملين في الخارج للعودة إلى أوطانهم للمشاركة في "سباقات السرعة" لمدة ستة أشهر في القطاع الحكومي.
وتقول مونيكا ميركيتي، رئيسة مبادرة كرييت ليتوانيا "عندما تنظر إلى الدولة من الخارج، تشعر بأنها خرقاء وبطيئة، لكن عندما تخوض فيها.. هناك أشخاص على استعداد للقيام بالأشياء بشكل مختلف". كما تزيد هذه المبادرة من قيمة العاملين في القطاع العام الحاليين. "إنك تبدأ في فهم كيفية إدارة البلد والنظام".
الذكاء الاصطناعي، مع قدرته على تحرير المسؤولين من الأعمال الروتينية المتكررة، هو الجزء الأخير من تحدي البيروقراطية الإبداعية، كما يقول كولين فان نوردت المستشار الهولندي.
"بالنسبة إلى المنظمات الحكومية، يتطلب هذا تفكيرا استراتيجيا، وتخطيطا والتصرف واتخاذ قرار بشأن نوع الحكومة المستقبلية التي تريد أن تصبح عليها: حكومة لا تزال متمرسة في العمليات القديمة أم حكومة تظل في المستقبل ذات صلة، مع موظفين متحمسين يقدمون خدمات ذات جودة أعلى حتى من القطاع الخاص؟".
يقول فان نوردت، "إنه مع توافر الضمانات الصحيحة، فإن زيادة الخبرة المهنية عبر رؤى البيانات تعتبر مزيجا مثاليا. أحد الأمثلة على ذلك هو أوت، أداة تساعد الصندوق الإستوني للتأمين ضد البطالة على تصميم توصيات للباحثين عن عمل".
بالنسبة إلى لاندري، لا تزال المهمة عملا مستمرا. لكنها تنمو. حيث يقام مهرجان سنوي للبيروقراطية الإبداعية، الذي تم إطلاقه بالاشتراك مع دار سيباستيان تورنر للنشر في برلين، منذ عام 2018.
يقول تورنر "بينما تبحث المواهب الطموحة عن هدف، تتمتع الخدمة العامة بأصول لا تصدق، فقط إذا كانت الهياكل تسمح بالخيال والتغيير والحماس. هذا هو كل ما تعنيه البيروقراطية الإبداعية".

الأكثر قراءة