سوق السلع الفاخرة .. المستهلكون يغلقون محافظهم
بالنسبة إلى قطاع السلع الشخصية الفاخرة الذي تبلغ قيمته 362 مليار يورو، قد يعد 2023 العام الذي تنفجر فيه أخيرا فقاعة ما بعد جائحة كوفيد.
فرغم إعادة فتح الصين أبوابها في بداية العام، إلا أن الطلب تباطأ على المنتجات الفاخرة الشخصية إلى 8 في المائة بأسعار العملة الثابتة وفقا لشركة باين، متجاوزا التضخم العالمي بفارق ضئيل وممثلا تباطؤا كبيرا بعد ثلاثة أعوام متتالية من نمو المبيعات بنسبة 20 في المائة في المتوسط. وقد لاحظ المستثمرون: أنه للمرة الأولى منذ سبعة أعوام، لم يتفوق أداء أسهم السلع الفاخرة على سوق الأسهم الأوسع.
يقول توماس شوفيت، رئيس أبحاث أسهم السلع الفاخرة في بنك سيتي: "هناك سببان لضعف أداء قطاع السلع الفاخرة: الأول هو الصين، التي كانت جيدة وليست رائعة هذا العام". وفي حين أن الإنفاق الصيني على السلع الفاخرة تجاوز مستويات ما قبل كوفيد- 19، فإن الزيادة كانت أكثر اعتدالا منها في الولايات المتحدة، كما أن السياحة الدولية - أحد المحركات الكبرى للإنفاق الصيني - لم تقترب مما كانت عليه في 2019، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى أن السفر أصبح أكثر تكلفة بكثير. كما أن الجولات الكبيرة التي كانت تنقل الزوار الصينيين في جولات تسوق تسترد فيها الضرائب في جاليري لافاييت في باريس أو هارودز في لندن لم تستأنف بشكل جماعي.
"السبب الآخر وراء ضعف أدائها بحسب شوفيت هو أنه (كانت هناك أخيرا) إعادة ربط بين المستهلك الراقي [الذي استمر في الإنفاق على الرغم من التضخم وتدهور سوق العقارات] وبين الاقتصاد".
وسيكون العام 2024 أكثر صعوبة، حيث يتوقع المحللون في شركتي باين وسيتي نموا يراوح بين 4 و6 في المائة في المتوسط -"يكفي فقط لتغطية التضخم في هذه الصناعة، حيث زادت تكلفة ممارسة الأعمال التجارية في مجال سلع الرفاهية كثيرا"، كما يقول شوفيت، مشيرا إلى ارتفاع الأجور وإيجارات المتاجر.
تباطؤ "في كل مكان"
ما هو غير عادي في التباطؤ الحالي لقطاع السلع الفاخرة، كما لاحظ رئيس شركة بربري جوناثان أكيرويد في مكالمة مع المستثمرين الشهر الماضي، هو أن هذا يحدث في كل مكان. وقال: "لقد كان هذا شيئا استثنائيا تماما، وذلك لأنك تاريخيا، تلمس ضعفا في منطقة واحدة، وستكون قادرا على تعويضه في منطقة أخرى".
وقد لاحظت شركة شانيل، التي لديها تركيز أعلى من العملاء الأثرياء مقارنة بشركة بربري، اتجاها مشابها. حيث قال برونو بافلوفسكي، رئيس قسم الأزياء في شانيل، لصحيفة "فاينانشال تايمز" في وقت سابق من هذا الشهر: "ما نراه هو اقتصاد متراجع في كل مكان، في كل بلد. أنا لا أملك كرة بلورية، لكن الوضع سيكون أصعب في 2024 مما رأيناه في 2023".
ومع ذلك حذر من أن حالات التباطؤ هذه هي جزء من دورة طبيعية وأن قطاع الرفاهية "لا يمكن أن يبقى في نمو دائم من خانتين".
ولا يزال من المتوقع أن يتفوق أداء هذا القطاع على سوق الأزياء الأوسع، الأكثر عرضة للضغوط الاقتصادية، الذي يتوقع المحللون في شركة ماكينزي أن ينمو بنسبة تراوح بين 2 و4 في المائة العام الجاري.
العلامات التجارية التي تحاول عكس ضعف الأداء ستعاني
تقول كلوديا داربيزيو، الشريكة في باين، إن الرفاهية تدخل "مرحلة داروينية (وصف يطلق على الفترة التي تتميز بالمنافسة الشديدة والانتقاء الطبيعي في إشارة لنظرية داروين - المترجم)"، حيث تستعد بعض العلامات التجارية - ولا سيما تلك التي تلبي احتياجات الأفراد كبار السن من ذوي الثروات العالية بدلا من الجيل زد، والعلامات التي فيها تنوع بشكل جيد عبر الفئات، مثل العلامات التجارية لدى شركات الضيافة والتجميل المعومة - المهيأة لمواصلة التفوق على أقرانها.
وستواجه العلامات التجارية التي قطعت نصف الطريق إلى تحسين أوضاعها، أو إلى مرحلة التحول الإبداعي مثل غوتشي أو بربري أو فيراغامو، وقتا أكثر صعوبة. وكذلك الأمر بالنسبة إلى العلامات التجارية الصغيرة التي لا تستطيع التنافس مع ميزانيات التسويق والتجزئة لللاعبين الكبار.
ويقول شوفيت من بنك سيتي: "الحجم هو موضوع كبير. إذا أنفقت فيراغامو أو تودز 10 في المائة على التسويق، فأنت تنظر إلى ميزانية قدرها 100 مليون يورو، لكن في شركة لويس فويتون تبلغ هذه الميزانية نحو ملياري يورو".
تجارة التجزئة متعددة العلامات التجارية ستتعرض لضربة قوية
كانت نهاية 2023 فترة صعبة بشكل خاص للمتاجر الكبرى والبوتيكات المستقلة وغيرها من تجار التجزئة متعددي العلامات التجارية، حيث يعاني كثير منهم ديونا كبيرة ومخزونا كبيرا للغاية - والتي ستكون آثارها محسوسة في جزء كبير من 2024.
وفي الشهر الماضي، جمعت شركة هدسونز باي، الشركة الأم لسلسلة متاجر ساكس فيفث أفينيو، تمويلا بقيمة 340 مليون دولار بعد أشهر من الفواتير غير المدفوعة، ما أدى إلى قيام عديد من البائعين بوقف الشحنات لموسم العطلات حسبما ذكرت التقارير. وشركة فارفيتش، التي انخفض سهمها بنسبة 97 في المائة من ذروته بحلول منتصف ديسمبر، تم إنقاذها من وضعها تحت الإدارة في الساعة الأخيرة بفضل قرض تجسيري بقيمة 500 مليون دولار من شركة التجزئة الكورية الجنوبية كوبانغ وشركة غرينوكس كابيتال بارتنرز. كما قدمت مجموعة من المستثمرين أخيرا عرضا بقيمة 5.8 مليار دولار للاستحواذ على شركة مايسي وتحويلها إلى شركة خاصة بعد أن انخفض سهمها إلى أدنى مستوى له منذ ثلاثة أعوام.
عندما يعاني تجار التجزئة، كذلك تعاني العلامات التجارية التي تبيع لهم. وفي الأغلب ما يخضع المصممون الشباب على وجه الخصوص لعقود تجعلهم مسؤولين ماليا عن أي سلع غير مبيعة أو تم بيعها بسعر مخفض.
التصاميم ستصبح غير رسمية بشكل أكبر
بعد "العودة إلى ارتداء الملابس الأنيقة" عقب إغلاقات الجائحة، عاد العملاء إلى الاستثمار في الأساسيات الفاخرة غير الرسمية مثل سترات الكشمير ذات القلنسوة والسراويل ذات الرباط على الخصر والأحذية المسطحة، كما يقول المشترون. فقط لا تسمها "أثليجر (الألبسة التي تمزج بين الرياضة وأوقات الفراغ - المترجم)" أو "ملابس الشارع" - المسميات المفضلة لدى نيت أبورتر هي The Extraordinary Everyday وChic Sportif.
ما هي الفئة الأخرى التي من المتوقع أن يتراجع الطلب عليها؟ هذه ستكون حقائب اليد، التي تعاني مزيجا من انخفاض ثقة المستهلك في أوساط المشترين لأول مرة، خاصة في الصين، والزيادات الكبيرة في الأسعار على مدى العامين أو الأعوام الثلاثة الماضية، الأمر الذي جعل شراء بعض الطرازات أصعب.
كبار العملاء سيحصلون على كل الاهتمام
في حين أن متسوقي السلع الفاخرة "الطموحين" والمتسوقين لأول مرة بدأوا يغلقون محافظهم، يقول المسؤولون التنفيذيون في مجال السلع الفاخرة إن عملاءهم المخلصين مستمرون في الإنفاق بسخاء - وبالتالي سيظلون أولوية لهم في 2024.
وهذا يعني مزيدا من المنتجات الراقية ذات الإصدار المحدود، ومزيدا من العروض الباهظة، وزيادة الاستثمار في الفعاليات ومساحات التسوق الخاصة المخصصة لجذب العملاء الـفي أي سي (العملاء المهمين جدا).
الارتفاعات في الأسعار مستمرة، ولكن بمعدل أبطأ
عندما ضرب الركود الاقتصادي العالمي عام 2008، اضطرت العلامات التجارية إلى خفض الأسعار لبيع مخزونها - ما أدى إلى بدء دورة خصم استغرقت الجزء الأكبر من عقد من الزمن حتى تتعافى منها، ولا سيما في الولايات المتحدة. (أمتعتني قارئة أخيرا بالحديث عن "الدفعة الكبيرة" التي استفادت منها مجموعتها من سترات شانيل "أثناء التصفيات الكبيرة لمتاجر ساكس في ذلك الوقت").
ويقول المحللون إن معظم العلامات التجارية الكبرى الفاخرة قللت منذ ذلك الحين من اعتمادها على المتاجر الكبرى والقنوات الأخرى حيث قد تباع بضاعتها بسعر مخفض، ومن غير المرجح أن تعود مثل هذه التخفيضات الجذرية في الأسعار في 2024.
وبدلا من ذلك، من المرجح أن يؤدي التضخم - الذي يتوقع صندوق النقد الدولي أن ينخفض من 6.8 في المائة في 2023 إلى 5.2 في المائة في 2024 - إلى ارتفاع الأسعار مرة أخرى في العام الجاري، وإن كان بمعدل أقل من الأعوام السابقة.
وفي حين أن كبار المنفقين قد يكونون قادرين على تحمل تلك الزيادات، يقول المحللون إن العلامات التجارية بحاجة إلى التفكير مليا في المنتجات التي يمكنها تقديمها على مستوى الطرف الأدنى من الأسعار. وقد أصبحت الحقائب الصغيرة والقمصان والأحذية الرياضية أكثر تكلفة وحظيت باهتمام إبداعي أقل وسط تركيز مفرط على العملاء الراقين، كما يقول داربيزيو من شركة باين. وقد يؤدي ذلك إلى إدخال فئات جديدة في الطرف الأدنى من الأسعار مثل الإكسسوارات التكنولوجية ومجوهرات الموضة.
قد يكون هذا أحد الجوانب المشرقة للتباطؤ، كما يقول المسؤولون التنفيذيون في العلامات التجارية التراثية التقليدية والأصغر حجما. وبعد أعوام من اقتناص المنتجات العصرية ذات الشعارات البارزة التي يتم تسويقها عبر المشاهير والحملات الإعلانية بميزانيات كبيرة، يعتقد التنفيذيون أن العملاء مستعدون لأن يصبحوا أكثر وعيا بشأن جودة وطول عمر الأشياء الفردية التي ينفقون أموالهم عليها - وهو ما يعتقدون أن لديهم ميزة فيه.