خرافة الأحداث غير المسبوقة «2 من 2»

في أواخر التسعينيات على سبيل المثال، قامت الاقتصادات الآسيوية ببناء خزانات ضخمة من احتياطيات النقد الأجنبي، وهي الخطوة التي كانت لتساعد على منع الأزمة المالية الآسيوية التالية، لكنها فشلت في وقف الأزمة التي حدثت بالفعل، التي نشأت عن انفجار فقاعة الأسهم.
ثانيا، هناك سلسلة متصلة واضحة مما يسمى بحقبة غير مسبوقة إلى أخرى. تميل إحدى الأزمات إلى توليد الأزمة التالية. وبقيادة العظيم بول فولكر، اتخذ بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي تدابير صارمة لوقف التضخم الكبير (كما فعلت البنوك المركزية الأخرى). ولكن رغم الفوز في الحرب، أهدر صناع السياسات فرص تحقيق السلام، حيث خفضوا أسعار الفائدة إلى مستويات قياسية تحول دون الحفاظ على الاستقرار المالي.
وعلى نحو مماثل، مع توقف أسواق رأس المال العالمية أثناء الأزمة المالية الآسيوية، اكتشفت البنوك المركزية الحل الفعال المتمثل في سياسة أسعار الفائدة الرسمية القريبة من الصفر. وكان هذا بدوره سببا في تمهيد الطريق أمام وفرة من فقاعات الأصول في المستقبل، ليس فقط الأسهم بل أيضا السندات والائتمان، التي بلغت ذروتها في الأزمة المالية العالمية بعد عقد من الزمان.
وثالثا، أصبحت الأزمات والتطورات "الاستثنائية" الناتجة الآن هي القاعدة وليست الاستثناء. وفي العقود الأخيرة، كان حدوث كارثة واحدة كل ثلاثة أو أربعة أعوام هو المتوسط. فقد أعقب أزمة الديون في أمريكا اللاتينية في عام 1982 انهيار سوق الأوراق المالية في عام 1987، وأزمة الادخار والقروض في الولايات المتحدة في الفترة ما بين عامي 1986 و1995؛ وانهيار الاقتصاد في اليابان (1990)، والمكسيك (1995)، وآسيا (1997)؛ وشبه انهيار صندوق التحوط كأسلوب لإدارة رأس المال على المدى الطويل (1998)؛ وانهيار فقاعة الدوت كوم (2000)؛ وفضيحة شركة إنرون المحاسبية (2001)؛ وكارثة الرهون العقارية عالية الأخطار (2007)؛ وأزمة الديون السيادية في منطقة اليورو (2010)، و"نوبة الغضب من التخفيض التدريجي" الناجمة عن الخوف من تطبيع السياسة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي (2013)، وانهيار سوق الأسهم الصينية (2015)، والحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين (2018)، وجائحة فيروس كورونا المستجد (2020)، وتراجع العولمة (2023).
وفي ظل هذه الخلفية، يواجه المتنبئون المهمة المستحيلة على ما يبدو المتمثلة في التنبؤ بالمستقبل. وبطبيعة الحال، يواجه صناع السياسات العامة تحديا هائلا بالقدر نفسه، ففي حين أن أزمة أخرى مقبلة، ربما عاجلا وليس آجلا، يتعين عليهم العمل على التوفيق بين السياسات المتطلعة إلى المستقبل والأخطار المتمثلة في مستقبل غير مؤكد إلى حد كبير.
ولكن هذا لا يبرر تقديم أعذار تخدم مصالح ذاتية لارتكاب أخطاء سياسية، أو تصوير سوء تسعير أسواق الأصول والاضطرابات الاقتصادية باعتبارها حوادث لا يمكن تجنبها ناجمة عما يسمى بالظروف غير المسبوقة. لقد نفد صبري تجاه صناع السياسات، وصناع القرار في الشركات، والمستثمرين الذين يرفعون أيديهم جماعيا ويقولون: "لا تلوموني".
إنها عملية انسحاب بوضوح. إن الأزمات مستمرة، ومهمتنا لا تكمن في التنبؤ بالصدمة التالية، رغم أن شخصا ما يفعل ذلك دائما، لكن في زيادة تركيزنا على القدرة على الصمود. إن الحفاظ على مسار السياسات المقررة بموجب ولايات سياسية مع الحد من الاضطرابات الحتمية هو أمر يسهل قوله أكثر من فعله. ولكن هذا ليس مبررا للوقوع ضحية أسطورة الأحداث غير المسبوقة.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2023.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي