وظيفة منتصف العمر .. تغيير واستراحة محارب
هذا العام، وصلت بطاقة معايدة من صديقة قديمة تخبرنا أنها ظهرت قليلا على شاشة التلفزيون. كانت معلمة سابقا، والتحقت بمدرسة الدراما في الخمسينيات من عمرها، الأمر الذي لم يبشر بخير. كان والداها قد حذراها من المخاطرة الكبيرة عندما كانت في بداياتها. لكن بعدما توفت والدتها وتركت لها إرثا صغيرا، قفزت القفزة، لو شاهدتها على خشبة المسرح، لظننت أنها كانت على المسرح طوال حياتها.
لقد قابلت كثيرين ممن اتخذوا تحولات مهنية في منتصف العمر. يتحدث المحظوظون ببريق يجعلهم يبدون أصغر سنا. إنهم يحققون، في الأغلب لأول مرة، السعادة التي تنبع مما أسماه عالم النفس المجري الأمريكي ميهالي سيكسينتميهالي "حالة التدفق"، وهي الانغماس الكامل في المهام. عندما تكون في حالة تدفق، لا شيء آخر يبدو مهما. وليس عليك أن تكون فنانا لتشعر به. تحول أحد الأصدقاء من صحافي إلى مدرب يقظة ذهنية بعد ممارسة التأمل عملا جانبيا. التحق آخر بدورة سباكة. في مهرجان "فاينانشيال تايمز" لعطلة نهاية الأسبوع لهذا العام، التقيت آنا بايلي، التي تدرس لتصبح قابلة بعد 23 عاما من العمل محامية في شركات ممتازة. لقد أدركت أنها ربما قد بلغت منتصف الطريق فقط من حياة طويلة، فلماذا لا تبدل وتستخدم جزءا مختلفا من دماغها؟
هذا الشعور بوجود متسع إضافي للتجربة فيه يمكن أن يكون مشجعا للغاية. لقد التقيت أشخاصا في الأربعينيات والخمسينيات ملتزمين بأعوام من التدريب، في علم النفس والتدريس وحتى الطب. من الواضح أنهم يتوقعون عائدا على استثماراتهم بالعمل حتى السبعينيات من العمر.
هذه مجموعة من النخبة عادة، مدعومة بأرباح مهنية وأزواج داعمين أو أحدهما. لكنهم ربما يكونون رائدين. أخرجت الاستقالة العظمى في الجائحة كثيرا ممن تزيد أعمارهم عن الـ50 من القوى العاملة، وأثارت بذلك القلق العام. لكننا بدأنا للتو في رسم خريطة التعديل الوزاري العظيم، الذي شهد عمالا من جميع الأعمار يغيرون وظائفهم أو يصقلون مهاراتهم أو يعودون إلى العمل. في المملكة المتحدة والولايات المتحدة، بدأ العمل الحر في الارتفاع مرة أخرى، مع نحو مليون بريطاني تراوح أعمارهم بين 55 و64 عاما، وقرابة نصف مليون فوق 65 عاما، منخرطون في هذه الفئة.
من المفترض أن يكون نقص العمالة أفضل وقت للعمال الأكبر سنا. لكن مع الأسف، لا يزال عديد من أرباب العمل حذرين. وجد تقرير صادر عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ومنظمة جينيريشن غير الربحية، استنادا إلى مقابلات مع مديري التوظيف في ثماني دول، أن العمال الأكبر سنا يقدرون الخبرة أكثر من شركات التوظيف، التي تهتم أكثر بالقدرة على التكيف. من المحبط التفكير في أن آبار الحكمة العميقة سهل رفضهم. لكن الرسالة واضحة، أظهر دليلا على تحسين مهاراتك ومعرفة بالتكنولوجيا.
هذا إذا كنت تعرف ما تريد فعله تاليا. في حين لدى الأجيال الشابة وظائف أكثر تنوعا، إلا أن من في الخمسينيات ممن عملوا في قطاع واحد يمكن أن يجدوا صعوبة في تصور بديل. يمكن للنصيحة الموحدة "تحدث إلى شبكتك" أن تعزز هويتهم الحالية. قد يعاني أولئك الذين هم في المستويات العليا أيضا إدمان المكانة، ما قد يجعل الانتقال مرعبا. ينصح جان هول وجون ستوكس، في كتابهما "تغيير العتاد"، هؤلاء الأشخاص بمحاولة تذكر ما كان يشعرهم بالمتعة وتجربتها.
النصيحة العالمية هي التفكير في المستقبل. تقول كاثرين سيرمون، من حملة "المهن يمكن أن تتغير": إن تبني "عادات صغيرة" يمكن أن يساعد في تخفيف أخطار التحول الوظيفي المحتمل، ابحث عما تتطلبه وظيفة الأحلام حقا، واسأل الناس في هذا المجال عما إذا كانوا يودون شرب كوب من الشاي - "لكن فكر مسبقا في المساعدة التي تريدها". أحد نجوم الحملة هو بنفون كرامبلر، المدير التنفيذي السابق لهيئة الإذاعة البريطانية، الذي ترك البث في سن الـ50. لقد فوجئت بسرور بمدى استعداد الغرباء لتقديم المشورة. ذكرها برنامج يسمى "بدايات شجاعة - بريف ستارتز"، الذي يقدم التوجيه المهني لمن بلغوا 45 عاما فأعلى، بأن لديها "مهارات كثيرة تمكنها من الانتقال". وهي الآن الرئيس التنفيذي للعمليات في شركة توظيف رقمية.
قد يكون من الصعب تبديد فكرة أن منتصف العمر يمثل تضييق الخيارات وبداية الانخفاض، التي رسمها منحنى ديفيد بلانشفلاور الشهير على شكل حرف U للرضا عن الحياة المقيمة ذاتيا، الذي ينحدر من العشرينيات ويبلغ القاع في الأربعينيات من عمرنا. لكنه يرتفع مرة أخرى. وبالفعل كتب المحلل النفسي الكندي إليوت جاك، الذي صاغ عبارة "أزمة منتصف العمر" في 1965، بعضا من أكثر أفكاره أصالة في سبعينياته وأنشأ معهدا تعليميا وبحثيا في الثمانينيات.
أنا من أشد المؤمنين برواية مثل هذه القصص التي تجعل التغيير يبدو ممكنا. يبدو هذا أكثر فائدة من بعض نصائح الدكتور جوجل. لا فائدة ترجى من أن يطلب منك "استخدام قواك الخارقة" عندما لا يكون لديك أدنى فكرة عن ماهيتها، أو "أن تعيش أفضل حياة" عندما تكون محاصرا في العالم الحقيقي بسبب الالتزامات المالية.
قليل من الناس يتمتعون برفاهية أن يصبحوا بستانيين أو ينخرطوا في التصميم الداخلي. 15 في المائة فقط من البريطانيين بين 45 و54 عاما تلقوا نصائح مهنية في الأعوام الثلاثة الماضية، مقارنة بثلثي البريطانيين بين 16 و24 عاما. لكن فيما يحتاج تلاميذ المدارس إلى كل مساعدة يمكنهم الاستفادة منها، فإن الخيارات المتاحة أمام من في الخمسين قد تكون محيرة بالقدر ذاته. حقيقة أن بعض الرواد يتدربون مجددا ليكونوا معلمين وعلماء نفس -وهم من تشتد إليهم الحاجة في المجتمع- يجب أن يكون إشارة تدل على أن من يتعلمون في منتصف حياتهم المهنية يجب أن يروا في كل مكان، وليس شيئا يستحق الملاحظة.
لكثيرين، فإن أكبر عائق أمام التغيير هو أنفسنا. المشغولون يخافون من الهدوء. المتفوقون يخافون من التخبط. كان على صديقتي الممثلة أن تتخطى حياة من التحذيرات عن أخطار المسرح لتحقق حلمها. التقيت في الآونة الأخيرة برجل فقد وظيفته وفشلت خطته الانتقالية. كان محظوظا بما يكفي ليكون موسر الحال، لكنه لم يستطع تحمل عدم وجود شيء يتحدث عنه. قلت: "قل إنك تكتب كتابا". ومن يدري، ربما سيكتب واحدا.