البوح .. ظل يلاحقك مدى العمر
الصدمات النفسية هي الطريق المختصر للشهرة على الإنترنت. انشر مقطع فيديو وأنت بدموع منهمرة يعرض تفاصيل أسوأ لحظة في حياتك وراقب مشاهداته وهي ترتفع.
تنتشر الاعترافات المروعة بالحزن والعار بكثرة على الإنترنت. لقد شاهدت غرباء يشرحون تفاصيل قطيعة عائلية وإساءة وإدمان. ومعلمو اليوجا الذين يدعون أن الصدمة تخزن في الوركين يعرضون تمددات للعضلات يقولون: إنها ستحررها. ويكرر كثيرون فكرة أن الصدمة لا يمكن علاجها إلا بالصراحة الكاملة.
إذا ندم الناشرون على مشاركة مقاطع الفيديو هذه، فهذا أمر سيء للغاية. فما تشاركه على الإنترنت يظل إلى الأبد. وبمجرد انتشار المحتوى على نطاق واسع، يصبح من الصعب محوه بالكامل، كما تعلم الأجيال السابقة التي أفرطت في المشاركة الآن.
إن فكرة إخبار الغرباء تماما بمشكلاتك الشخصية عبر الإنترنت تعود إلى المدونين في أوائل العقد الأول من القرن الـ21، الذين استخدموا القصص الشخصية لتقديم وجهات نظر جديدة غير مريحة. فقد كانت مدونة الأم الأمريكية هيذر أرمسترونج، المعروفة أيضا باسم "دوس دوت كوم"، أحد أشهر الأمثلة. كان إظهار ضعفها في قصصها التي شاركتها عن صعوبات الأمومة مختلفا جذريا عن النسخة الجميلة من الأمومة لدرجة أنها اكتسبت قاعدة جماهيرية شغوفة. وفي قمة شعبيتها عام 2009، كان عدد قراء مدونتها 8.5 مليون قارئ شهريا.
من مدونات كهذه جاءت المقالات الشخصية في مجلات الإنترنت مثل مجلة إكس أو جين. فكلما كانت القصة صادمة، كانت النقرات أكثر. قايض الكتاب الصدمة ليسطروا قصصا بأسمائهم. أما للمجلات، فكان نشر مقالات بضمير المتكلم حول حالات الحمل خارج الرحم واضطرابات الأكل أرخص بكثير من التكليف بإعداد تقارير إخبارية. لكن، مع مرور الوقت، أصبحت سوقا مشبعة ومقومة بأقل من قيمتها الحقيقية. وبحلول 2017، أعلنت الكاتبة جيا تولينتينو أن المقالات الشخصية قد انتهت.
في الواقع، لم تنته، فقد حولت الوسيط إلى وسائل التواصل الاجتماعي ليس إلا. وتواصل مقاطع الفيديو غير المحررة والموجهة مباشرة إلى الكاميرا هذا العرف. لاحظت ظواهر الثقافة المعاصرة هذا الاتجاه، فتسربت الصدمة إلى الكتب والبرامج التلفزيونية والأفلام، وأصبح من الشائع إسناد قصة الشخصية الرئيسة إلى حدث رهيب واحد وتأثيره الدائم. وتستخدم البرامج الناجحة مثل مسلسلي تيد لاسو وفلي باج ما يسمى بحبكة الصدمة لتوجيه أحداث القصة وشرح سلوك الشخصيات. وتتم دعوة المشاهير لمشاركة القصص المؤلمة في البودكاست وفي الأغلب ما تبدو كأنها جلسات علاجية أكثر من كونها مقابلات.
يعتمد كثير من هذا على النظرية القائلة بأن ذكريات الشخص غير السعيدة هي المفتاح لفهم هويته. يمكن أن يكون ذلك مثيرا للراوي. فالتعاطف الجماعي يمكن أن يشعره بأنه مسموع ومفهوم. ويبدو أن هذه هي القوة الدافعة وراء عديد من مقاطع الفيديو هذه. عادة لا يتم تعويض الكتاب ماليا مقابل الكشف عن أسرارهم. لكن من المؤكد أن النية الطيبة من الغرباء ليست مكافأة كافية مقابل البوح بأسرار ستعيش على الإنترنت إلى الأبد!
بدأت المخاوف بشأن الآثار الرقمية الدائمة مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، حيث قيل للمراهقين إنهم يخاطرون بالقبول في الجامعة أو الوظائف في المستقبل إذا نشروا صورا أو رسائل محفوفة بالأخطار. وأعلنت الشركات أنها ستفحص منشورات المرشحين للمقابلات. وفي 2017، ألغت جامعة هارفارد عروضا مقدمة لنحو عشرة طلاب نشروا صورا مسيئة في مجموعة خاصة على فيسبوك. وبعد مرور عام، طردت شركة وولت ديزني المخرج جيمس جان بسبب تغريدات قديمة تناولت نكتة عن الاعتداء الجنسي على الأطفال والاغتصاب - رغم أنه أعيد إلى منصبه لاحقا.
من غير المرجح أن يتسبب إفراغ الصدمات في حدوث مخالفة تبرر رد فعل كهذا. لكنه يمكن أن يكون محرجا. فتذكيرك بصورك السابقة عبر صورة غير جذابة على فيسبوك أمر محرج بما فيه الكفاية، وفيديو تعرض فيه قصصا عن ضرر عاطفي حصل لك يبدو مؤلما.
وصف الأشخاص الذين كتبوا ذات مرة مقالات شخصية لاذعة التأثير القاسي لقراءة التعليقات غير اللطيفة من القراء - والتشاجر مع الناس في الحياة الحقيقية. تقول ماندي ستادميلر، وهي محررة سابقة في موقع إكس أو جين: إنه حتى أولئك الذين يعتقدون أنهم مستعدون لردود الفعل السلبية "ليسوا مستعدين أبدا لرد فعل عنيف من معلقين مجهولي الهوية". كانت المدونة أرمسترونج بمنزلة مانعة صواعق للانتقادات، وتوفيت العام الماضي منتحرة. قال شريكها لصحيفة نيويورك تايمز: إنه يلقي باللوم على الكراهية عبر الإنترنت في اكتئابها الأعوام السابقة.
اتخاذ تدابير أمر لا طائل منه. يمكنك حذف التغريدات القديمة ومحاولة تقليص ظلك الرقمي. يعرض مديرو السمعة عبر الإنترنت فعل ذلك أيضا مقابل أتعاب. تتعطل بعض مواقع الويب، وبذلك تمحى محو المشاركات القديمة. لكن لا توجد طريقة مضمونة للتراجع عن شيء ما.
لكن هناك احتمال آخر، يبدو أن تحولا عاما في الموقف تجاه الصحة العقلية يغير بدوره الموضوعات التي نراها مناسبة للحديث عنها في العلن. وفي المستقبل، ربما يبدو غريبا أن يشعر شخص ما بالحرج لنشر قصصه المؤلمة عبر الإنترنت. وإذا شارك الجميع أسرارهم الموجعة، فستحيد الوفرة الشعور بالعار.