داخل الأزمة: كيف ضلت شركة علي بابا طريقها؟
لا شيء يسلط الضوء على مشكلات شركة علي بابا الحالية أكثر من نداء التحذير غير العادي من جاك ما، الذي أسس شركة التجارة الإلكترونية الرائدة في الصين في عام 1999.
وقال أشهر رجل أعمال في البلاد في مدونة داخلية أواخر العام الماضي: "أعتقد اعتقادا راسخا أن شركة علي بابا ستتغير وتتحسن. لنعد إلى رسالتنا ورؤيتنا، يا أهل شركة علي، هيا!".
إن النداء للاحتشاد المتعمد لم يخدم سوى أنه أظهر كيف انحرفت مجموعة التكنولوجيا الأكثر شهرة في الصين عن رسالتها الأصلية. فالشركة التي كانت ذات يوم الأكثر قيمة في آسيا، تجاوزتها لأول مرة منافستها الصينية بي دي دي هولدينج من حيث القيمة السوقية في نوفمبر الماضي. وانخفضت أسهمها الآن بنسبة 75 في المائة عن ذروتها قبل ثلاثة أعوام، وذلك بعد سلسلة من التخفيضات التنظيمية، والتحولات في الاستراتيجية، ووسط تراجع معنويات الموظفين.
وقال أحد الأشخاص المقربين من الإدارة: إن تجاوز شركة بي دي دي لشركة علي بابا "كان دعوة حقيقية لشركة علي بابا للاستيقاظ". وأضاف: "كان الناس مستائين من ذلك حقا، لكن علي بابا تفكر الآن في كيفية التعامل مع هذا الأمر". وكان جزءا من الاستجابة أن يتولى الرئيس التنفيذي الجديد إيدي يونج مينج وو السيطرة المباشرة على أعمال التجارة الإلكترونية الأساسية لشركة علي بابا في أواخر الشهر الماضي، ليحل محل المدير التنفيذي ترودي داي الذي خدم لفترة طويلة، حيث يحاول تعزيز قبضته على هذا التكتل المتنوع واسع الانتشار.
ويوضح المطلعون على الشركة والمحللون أن شركة علي بابا فشلت حتى الآن في مكافحة المنافسين الجدد الأشداء بشكل فعال، ومواكبة تطورات الذكاء الاصطناعي والاستفادة من نقاط قوته في التجارة الإلكترونية المحلية لتحقيق النجاح في الأسواق الغربية.
وتحدثت صحيفة فاينانشيال تايمز إلى تسعة من موظفي علي بابا، الذين رسموا صورة لشركة متعثرة تحاول رسم مسار جديد بعد التخلي عن العناصر الأساسية لخطة طموحة من أجل إعادة هيكلتها كان من المفترض أن تنعش ثرواتها.
وتحدث عديد من المطلعين على شركة علي بابا، الذين رفضوا الكشف عن أسمائهم، عن الارتباك الذي نتج عن ذلك. وقال أحد الموظفين في علي بابا ممن يعملون في شركات مختلفة: "كثير من الناس لا يعرفون ما الذي تم تقسيمه في الشركة وما الذي لم يتم تقسيمه". وأضاف: "وسيبقى هذا حتى يتم فصلهم بعد أن تنفصل وحدة أعمالهم".
وفي مارس، أعلنت مجموعة التكنولوجيا نيتها تقسيم إمبراطوريتها إلى ست وحدات لتحرير قيمة مساهميها وتحفيز النمو عبر شركاتها. وتبنى المستثمرون الخطة مبدئيا، ليرتفع سعر سهمها بنسبة 20 في المائة في الأيام التي تلت الإعلان. لكن خمود تفاؤل المستثمرين بشأن اقتصاد الصين بعد انتهاء عمليات الإغلاق في فترة الجائحة أضعف الحماس.
وفي نوفمبر الماضي، أعلنت شركة علي بابا رسميا أنها ستتخلى عن خطط فصل أعمالها السحابية -التي قالت إنها ضرورية لنموها مستقبلا- وأوقفت مؤقتا إدراج وحدة السوبر ماركت التابعة لها. وليس من الواضح ما الذي يجري للوحدات الأربع الأخرى. وكانت الفروع الخاسرة في الشركة تمارس ضغوطا لتحافظ على ارتباطها، وفقا لما ذكره المطلعون على الشركة. وأشار عديد من الموظفين إلى أن الخطط لفصل الشركات الأخرى إما ألغيت أو أنها قيد المراجعة.
وفي أحد الأمثلة على مقاومة التغيير، أنشأت شركة علي بابا فريقا لتكنولوجيا المعلومات للتعامل مع البنية التحتية عبر المجموعة بعد أن وجدت إحدى المراجعات أن فرق العمل كانت تستنسخ المهام الوظيفية نفسها في وحدات الشركات المختلفة.
ولكن تم إلغاء ذلك فيما بعد بسبب الصراعات الداخلية على السلطة، وفقا لشخصين مطلعين على الأمر. وقال المسؤول التنفيذي: "لقد كان الوضع سيئا وفوضويا. عديد ممن يجب فصلهم لديهم داعمون من الداخل ولا يمكن فصلهم بسهولة".
وفي مثال آخر على الفوضى الداخلية، قال موظف في دينج توك، وهي منصة الاتصالات المؤسسية التابعة لشركة علي بابا: إنه تم تسجيل خروج فريقهم من الشبكة الداخلية (الإنترنت) الخاصة بالمجموعة دون سابق إنذار، وهو ما تركهم دون إمكانية للوصول إلى الاتصالات الداخلية لشركة علي بابا.
وقال مطلعون: إن الصراعات على السلطة بين الموظفين القدامى بقيادة الرئيس التنفيذي السابق دانييل تشانج ويونج مينج وو، الذي تولى منصبه في سبتمبر، أدت إلى تفاقم الشعور بالفوضى.
وفي مارس، أعلنت الشركة أن تشانج كان سيترأس أعمال الحوسبة السحابية عندما تم فصلها، ولكن في اليوم الذي كان من المقرر أن يتولى فيه زمام الأمور في سبتمبر، استقال بشكل غير متوقع. وذكرت صحيفة فاينانشيال تايمز أن الرئيس الجديد وو طرده. وردت شركة علي بابا في سبتمبر بأن الأمر لم يكن كذلك، وأعرب تشانج عن رغبته في الانتقال بعيدا عن منصبه.
وقال أحد الأشخاص في علي بابا كلاود: إن خروج تشانج من الشركة كان يعني أنه من المحتمل أن يتم تسريح عديد من الأشخاص المرتبطين به. وكان رحيل الرئيس التجاري لوحدة الخدمات السحابية، كاي ينجهوا، الشهر الماضي، جزءا من جهود وو لإعادة تشغيل وحدة الأعمال، وفقا للمطلعين على شركة علي بابا.
وفي الفترة التي سبقت الانقسام المخطط له، برزت توترات حول المبلغ الذي ستدفعه منصات التجارة الإلكترونية تاوباو وتيمول للشركة السحابية مقابل خدماتها إذا تابعت مسألة الانفصال وعملت بوصفها كيانا ماليا منفصلا، وفقا لما ذكره مطلعون على الشركة. وقد انخفضت مبيعات العملاء الخارجيين للأعمال السحابية في الربع الثالث، ما يؤكد اعتماد الوحدة على الإيرادات من أجزاء أخرى من المجموعة.
وقال روبن تشو، المحلل في بيرنشتاين: "لقد تم التعامل مع انفصال أعمال الحوسبة السحابية بشكل سيء، إذ كان ينبغي لشركة علي بابا أن تفكر في قضايا مثل أمن البيانات وتسعير النقل بين تاوباو وكلاود قبل الإعلان عنها".
وخلال أول اتصال له بالمستثمرين كرئيس في نوفمبر، وضع وو الأعمال السحابية عادا إياها محركا للنمو، خلال ما أسماه "قدوم عصر الذكاء الاصطناعي". وتعهد بالاستثمار في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، لكن المحللين يشككون في قدرة وو على إحياء النمو البطيء لشركة علي بابا كلاود.
وقال تشو: "إن نمو الخدمات السحابية لشركة علي بابا يواجه رياحا معاكسة متعددة، من بينها الطلب الباهت من مؤسسات القطاع الخاص، والشركات المملوكة للدولة التي تسعى بشكل متزايد إلى الشراكة مع مزودي الخدمات السحابية في القطاع العام مثل هواوي و... شركة بايت دانس التي تستعين بمصادر داخلية لأعباء الخدمات السحابية المحلية الخاصة بها".
علاوة على ذلك، فإن الوعد بالاستثمار في بناء ما يسميه وو "المنتجات الثورية للمستقبل" يتعارض مع محاولتها تعزيز سعر سهمها من خلال توزيعات الأرباح وإعادة شراء الأسهم. وفي نوفمبر الماضي، أعلنت شركة علي بابا عن أول توزيعات أرباح سنوية لها، التي ستكلف 2.5 مليار دولار، وقالت: إن لديها 15 مليار دولار متبقية لخطتها لإعادة شراء الأسهم التي تبلغ قيمتها 25 مليار دولار.
وقال كيفين شو، مستثمر البنية التحتية للخدمات السحابية في إنتركونيكتيد كابيتال: "علي بابا ترسل إشارات مختلطة بهندستها المالية"، مضيفا: "هذا أسوأ ما في الأمرين. حتى شركات التكنولوجيا الكبيرة المربحة مثل أمازون وألفابت لا تصدر أرباحا لأنها ترى خريطة طريق لمزيد من النمو والابتكار في المستقبل".
وردت الشركة على صحيفة فاينانشيال تايمز قائلة: "لم تكن علي بابا في وضع مالي أفضل في أي وقت مضى للاستثمار من أجل نمو الأعمال والفرص الاستراتيجية. هذه أولويتنا القصوى".
وفي الوقت نفسه، ما تزال شركة علي بابا تتجه نحو الاكتتاب العام لذراعها في الخدمات اللوجستية، تشانياو. وقال شخص مقرب من فريق الإدارة: إنها لا تزال تضغط من أجل الإدراج لأنها "متشائمة بشأن الطلب المستقبلي في التجارة الإلكترونية"، لذلك كان من الأفضل "الإدراج في أقرب وقت ممكن".
وأخبرت شركة علي بابا صحيفة فاينانشيال تايمز أنها لا تزال واثقة من الأعمال. وقالت: "لقد كشفنا عن خطة الاكتتاب العام لشركة تشانياو بجدول زمني واضح، ونحن ماضون على هذه الجبهة".
كما أن مستقبل شركة آنت الحليفة للتكنولوجيا المالية، التي تحتفظ فيها شركة علي بابا بحصة تبلغ 33 في المائة تقريبا، لا يزال غير واضح، بعد ثلاثة أعوام من وقف السلطات للاكتتاب العام الأولي بقيمة 34 مليار دولار كجزء من حملة على شركات التكنولوجيا الكبرى. ولا تزال شركة آنت تنتظر موافقة الجهات التنظيمية للحصول على ترخيص للحيازة المالية، وهي خطوة حاسمة لمتابعة اكتتاب عام أكثر تواضعا في هونج كونج أو الصين، وفقا لأشخاص مقربين من الإدارة.
ويقول الخبراء: إن فوضى إعادة الهيكلة صرفت انتباه علي بابا أيضا عن معالجة "مشكلتها الأساسية" في أكثر أعمالها ربحية وتوليدا للنقود في التجارة الإلكترونية المحلية.
وقال دنكان كلارك، مؤسس ورئيس شركة بي دي أيه الاستشارية ومقرها بكين: إنها "تخسر حصتها لمصلحة شركة دوين (المملوكة لشركة بايت دانس) وأيضا لمصلحة شركة بي دي دي في أعمالها الرئيسة". وقال: "لقد فقدت علي بابا هيبتها لاعبا مهيمنا يتمتع برؤية ثاقبة للسوق والتجار والمستهلكين".
وقد شهدت شركة بي دي دي، التي تمتلك شركة بيندودو ومتجر التجزئة عبر الإنترنت تيمو ذا القيمة العالية، وشركة دوين التابعة لشركة بايت دانس، النسخة الصينية من تيك توك، نموا هائلا هذا العام، مدعوما بدخولهما القوي في ساحة علي بابا. وقد تضاعفت إيرادات بي دي دي تقريبا إلى 9.4 مليار دولار في الربع الثالث مقارنة بالفترة نفسها من عام 2022. وذكرت صحيفة فاينانشيال تايمز أن بايت دانس، غير المدرجة، حققت مبيعات بقيمة 29 مليار دولار في الربع الثاني، بزيادة نحو 40 في المائة عن العام السابق.
وشاهدت شركة علي بابا، التي تمتلك مجموعة من شركات التجارة الإلكترونية في الخارج، شركة صينية أخرى، هي شي إن، وتيمو التابعة لشركة بي دي دي، تنمو بسرعة في الولايات المتحدة وأوروبا من خلال منصات التجارة الإلكترونية ذات الشعبية الواسعة، حيث تقوم بشحن المنتجات مباشرة من المصانع الصينية إلى المستهلكين في الغرب بأسعار مخفضة جدا.
وقال أحد المستثمرين الصينيين في مجال التكنولوجيا: "لا يوجد سبب وجيه يمنع شركة علي بابا، بشبكتها من التجار في الصين، من بناء الأعمال نفسها".
ورأى كلارك أن إنعاش ثروات علي بابا سيتطلب "شيئا جذريا"، بالقول: "على شركة علي بابا العودة للأساسيات. وعليهم أن يستعيدوا روح الابتكار، والتركيز على إيقاف التدهور، وأن يؤكدوا على كيفية أن هذا جهد ينبغي أن تقوم به الشركة بأكملها".