صعود "بي واي دي" يضفي مزيدا من المجد إلى أسطورة وانج تشوانفو
في أواخر 2011، لم يستطع إيلون ماسك، الوجه الجديد آنذاك، أن يحبس ضحكة خافتة من فكرة أن شركة تسلا يمكن أن تواجه تحديا من قبل شركة صناعة السيارات الصينية بي واي دي، حيث قال: "هل رأيت سيارتهم؟".
وأوضح على شاشة التلفزيون في ذلك الوقت قائلا: "لا أعتقد أنها جذابة بشكل خاص. التكنولوجيا الخاصة بها ليست قوية جدا. وبي واي دي، كشركة، تواجه مشكلات خطيرة جدا على أرضها".
وبعد مرور عقد من الزمن، فازت الشركة ومقرها شنتشن بقيادة وانج تشوانفو باللقب الذي توج شركة تسلا كأكبر منتج للسيارات التي تعمل بالبطاريات. وفي الربع الأخير من 2023، باعت شركة بي واي دي التي أسست عام 1995 وتسهم فيها شركة بيركشير هاثاواي المملوكة لوارن بافيت، عددا قياسيا بلغ 526 ألف سيارة كهربائية تعمل بالبطارية فقط مقابل 484 ألف سيارة لشركة تسلا.
وقال تو لي، مؤسس شركة ساينو أوتو إنسايتس الاستشارية في بكين: "قبل أربعة إلى خمسة أعوام، لم يكن أحد يظن أن السيارات الكهربائية الصينية ستتمتع بالجودة أو الموثوقية اللازمة للمنافسة".
يضيف صعود بي واي دي مزيدا من المجد إلى أسطورة وانج من الفقر إلى الثراء. حيث أصبحت قصة الأستاذ في أبحاث المعادن غير الحديدية الذي تحول إلى مدير تنفيذي حازم مع تركيزه الدقيق على التكنولوجيا وسلاسل التوريد وخفض التكاليف، إنجيلا يدرس في كليات العلوم والأعمال الصينية.
وبالنسبة لموظفيه، يعرف وانج ببساطة باسم "الرئيس". والملياردير البالغ من العمر 57 عاما، الذي يحظى بالاحترام والخوف على حد سواء، يتمتع بسلوك متواضع يتناقض مع مدير تفصيلي يتمتع بأخلاقيات عمل ستاخانوفيت "وهو عامل منجم فحم سوفياتي أصبح رمزا للعمل الجاد والإنتاجية خلال الأعوام الأولى للاتحاد السوفياتي).
وقال مايكل دون، الرئيس التنفيذي لشركة دون إنسايتس لاستشارات السيارات التي تركز على آسيا: "إن مفهوم التوازن بين العمل والحياة ليس له وجود في قاموسه".
في 2008، أقنع تشارلي مونغر شريكه التجاري بافيت باستثمار مبلغ 230 مليون دولار مقابل حصة 10 في المائة في الشركة الصينية غير المعروفة آنذاك، بحجة أنه كان في وانج مزيج من توماس إديسون وجاك ويلش، الرئيس السابق لشركة جنرال إلكتريك. ومنذ ذلك الحين باعت شركة بيركشير حصة قدرها 2 في المائة مقابل 890 مليون دولار. وتبلغ قيمة حيازتها المتبقية نحو 2.3 مليار دولار.
كما تضاعف صافي أرباح شركة بي واي دي أكثر من مرتين ليصبح 21.37 مليار رنمينبي (ثلاثة مليارات دولار) في الأشهر التسعة الأولى من 2023، مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق. وارتفع سعر سهمها بأكثر من خمسة أضعاف منذ بداية 2020، وهو ما منحها قيمة سوقية تبلغ 622 مليار رنمينبي.
وفي حين أعجب مونغر بمهارات وانج الهندسية، فإن الخبراء يعزون نجاح شركة بي واي دي لحد كبير إلى ثقافة خفض التكاليف القاسية. وقال كريستوف ويبر، من مجموعة البرمجيات السويسرية أوتوفورم، إن رجل الأعمال أسس "لرقابة صارمة للغاية على التكاليف".
وقد طورت شركة بي واي دي قدراتها الداخلية الخاصة من خلال الاعتبار من الدروس المستفادة من صناعة بطاريات الهواتف المحمولة والمكونات الأخرى لشركة سيمنز ونوكيا وموتورولا في أعوامها الأولى. ويعد التعاقد مع شركات أخرى للحصول على الأجهزة أو الخدمات هو الملاذ الأخير لها، لدرجة أن أحد المسؤولين التنفيذيين أخبر مراجعي السيارات ذات مرة أن الشركة تصنع كل شيء في السيارة "باستثناء الإطارات والزجاج الأمامي".
وقد عزز التركيز على التكلفة التكامل الرأسي للمجموعة، من إمدادات الموارد إلى البطاريات ورقائق الكمبيوتر. وبوصفها واحدة من أكبر شركات تصنيع البطاريات في العالم، فإنها تزود المنافسين بالبطاريات ومنهم تسلا وتويوتا.
وقد أدى ذلك إلى ابتكارات التصنيع. ففي أحد الأمثلة، في الأيام الأولى لشركة بي واي دي، حصل وانج على أداة ختم الألواح من شركة جيب في بكين. وأدى ذلك إلى اكتشاف الشركة لسر تكنولوجيا "الاتصال من الخلية إلى الجسم"، التي تربط خلية بطارية السيارة الكهربائية بجسم السيارة.
وقد أدى نموذج أعمال وانج الذي لا يرحم إلى ظهور شكاوى حول معاملة العمال. وقال ويبر إنه من خلال تقسيم التصنيع إلى "خطوات أدق وأدق"، فإن العمال الأفراد لا يقومون إلا بمهام ضيقة للغاية. وهذا يعني أن هناك ميلا أكبر لاستبدال الموظفين بعمال رخيصين. وقال: "إنهم يعاملون الناس في الأساس مثل الروبوتات".
وقد تفوقت سياراتها التي تعمل بالبطارية فقط على شركة تسلا في الربع الرابع، ولكن مع الأخذ في الحسبان المركبات الهجينة الموصوله بالكهرباء - والتي تعرفها الصين بأنها "مركبات الطاقة الجديدة" إلى جانب النماذج التي تعمل حصريا بالبطاريات والهيدروجين - تفوقت شركة بي واي دي على شركة تسلا في النصف الأول من 2022. وارتفع إجمالي مبيعات بي واي دي لعام 2023 بنسبة 62 في المائة إلى أكثر من ثلاثة ملايين سيارة، مقارنة بـ1.81 مليون لشركة تسلا.
وفي زمن يشن فيه الحزب الشيوعي الحاكم في الصين حملة صارمة ضد نخبة الشركات في البلاد بشكل متكرر، يعتقد الخبراء أن وانج ، وهو من مؤيدي منتجات التكنولوجيا الفائقة التي تساعد على تحقيق أهداف بكين للحد من انبعاثات الكربون، يقف على أرض آمنة نسبيا.
وفي تأييد نادر، أشار الرئيس شي جين بينج في خطابه السنوي بمناسبة العام الجديد الأحد إلى أن "مركبات الطاقة الجديدة" صينية الصنع أظهرت "براعة الصين في التصنيع".
ويتم تدريس تكنولوجيا البطاريات من شركة بي واي دي منذ عدة أعوام كجزء من المناهج الدراسية في جامعة تسينغهوا الراقية في بكين. كما يتعلم طلاب المدارس الثانوية الآن عن سيارة تانغ، وهي سيارة الدفع الرباعي الهجينة من بي واي دي، كجزء من دروس الفيزياء.
وعلى الرغم من سخرية ماسك السابقة، كانت شركة بي واي دي على رادار بعض المديرين التنفيذيين لصناعة السيارات لبضعة أعوام. ففي 2021، قال رئيس شركة فولكس واجن آنذاك، هربرت ديس، لصحيفة "فاينانشيال تايمز" إن المجموعة الصينية هي الشركة التي تخشاها شركة صناعة السيارات الألمانية أكثر من غيرها.
ومع ذلك، فقد فاجأ صعود بي واي دي الأخير كثيرين في الصناعة. ويرجع ذلك جزئيا إلى تسارع النمو خلال جائحة كوفيد- 19، عندما تم إغلاق حدود الصين.
لقد كان قرار ماسك في أواخر 2022 بالبحث عن حجم أكبر للتصنيع في الصين من خلال تخفيضات الأسعار هو الذي أعطى شركة بي واي دي دفعة أخيرا. وقال بيل روسو، الرئيس السابق لشركة كرايسلر في الصين ومؤسس شركة أوتوموبيليتي الاستشارية: "إذا كنت أتسوق من أجل القيمة، فإن بي واي دي لديها خمسة طرازات أرخص من تسلا. وهي أحدث منها".
وبعد غزو السوق الصينية، يوجه وانج الآن أنظاره إلى الأسواق الأجنبية. ففي نوفمبر، أبلغت إدارة شركة بي واي دي محللي سيتي جروب بأنها تهدف للحصول على حصة سوقية تبلغ نحو 10 في المائة في الأسواق الخارجية، باستثناء الولايات المتحدة أو أوروبا، على المدى الطويل. وهذا يعني ضمنا مبيعات سنوية في الخارج - خارج سوقين غربيتين مهمتين - من مليونين إلى ثلاثة ملايين سيارة، ارتفاعا من نحو 240 ألف سيارة هذا العام، وفقا لسيتي جروب.
وفي غضون ذلك، تظل آفاق المجموعة في الولايات المتحدة وأوروبا غير مؤكدة. وفي بروكسل، دفعت المخاوف من موجة السيارات صينية الصنع المفوضية الأوروبية إلى التحقيق في الدعم الصناعي الذي تقدمه بكين، فضلا عن تعزيز معوناتها المحلية.
وقد تسربت المشاعر المعادية للصين في واشنطن إلى أذهان المستهلكين الأمريكيين. وفي حين أن شركات صناعة السيارات الصينية ليست ممنوعة من بيع السيارات في الولايات المتحدة، فإنها تواجه تعرفة جمركية بنسبة 25 في المائة ولا يمكنها الحصول على إعانات دعم السيارات الكهربائية المتاحة للشركات المصنعة الأخرى من خلال قانون الحد من التضخم، الذي يستثني "الكيانات الأجنبية المثيرة للقلق"، التي تشمل الصين.
وقال دون إن شركات صناعة السيارات الصينية بحاجة لإيجاد طريقة للدخول إلى أمريكا الشمالية، ثاني أكبر سوق للسيارات في العالم، إذا كانوا يريدون الحفاظ على النمو وإبقاء المصانع الصينية ممتلئة. وقال إنهم "بحاجة إلى هذا الوصول حقا. إنهم يفهمون أن القيام بذلك من خلال الجلوس في الصين ليس خيارا".
ومع ذلك، فإن شركات السيارات الصينية ومن ضمنها بي واي دي لم تثبت في الغالب موثوقيتها خارج سوقها المحلية. حيث قال خورخي غواجاردو، سفير المكسيك السابق لدى الصين وهو الآن شريك في شركة دينتونز جلوبال أدفايزرز: "إن نموذج أعمالهم يعتمد على دعم الدولة".
وسيكون الاختبار الكبير لذلك هو خطط الشركة لبناء أول مصنع سيارات أوروبي لها في المجر.
وقال غواجاردو: "إن الإعانات من الدولة عادة ما تكون مشروطة أيضا بإنتاجها محليا... ستفقد كل هذه المزايا بمجرد نقل العملية خارج الصين".
ويشير الخبراء أيضا إلى أن تسلا تظل منافسة كبيرة في سوق عالمية سريعة النمو. حيث أعلنت شركة صناعة السيارات الأمريكية أن مبيعات الربع الرابع تجاوزت توقعات المحللين وصافي أرباح قدره سبعة مليارات دولار للأشهر التسعة الأولى من العام الماضي. وتبلغ قيمتها السوقية 754 مليار دولار.
وبدلا من ذلك، فإن السؤال الذي يطرحه الكثيرون هو ما إذا كان بإمكان أي شركة أخرى لصناعة السيارات الكهربائية أن تتنافس مع اقتصادات الحجم التي تتباهى بها شركتا تسلا وبي واي دي. ففي الصين - أكبر سوق للسيارات في العالم - تستحوذ شركتا بي واي دي وتسلا على 43 في المائة من مبيعات السيارات الكهربائية.
وقال دون: "لا داعي لأن تقلق شركة تسلا أكثر من اللازم. يجب على كل الآخرين الذين يصنعون السيارات أن يصيبهم الذعر".
*شارك في التغطية وانج شيويه تشياو من شنغهاي وهدسون لوكيت من هونج كونج