نمو الأرباح وعوائد الأسهم .. استعدوا لتباطؤ طويل
إنها، في ظاهر الأمر، مفارقة. لقد كانت الأسواق غارقة في التشاؤم في أكتوبر، حيث ظل التضخم مرتفعا بشكل عنيد، وخشي المستثمرون أن تبقي البنوك المركزية أسعار الفائدة أعلى لفترة أطول.
بحلول ديسمبر، استحوذت النشوة على تلك الأسواق نفسها بفضل التصريحات التي بدت متشائمة بشأن أسعار الفائدة من قبل جيروم باول رئيس الاحتياطي الفيدرالي، التي بدا أنها وعدت بتخفيضات أبكر في أسعار الفائدة مما كان متوقعا في السابق. والآن في يناير، بدأت أسواق الأسهم بداية صعبة لهذا العام.
المفتاح لفهم هذه التقلبات الشديدة في المعنويات يكمن في آليات السياسة النقدية المعتمدة على البيانات. وهذا يدفع المستثمرين إلى مراجعة وإعادة تنقيح استراتيجيات التداول الخاصة بهم إلى ما لا نهاية بناء على التحليل المكثف لخطاب البنوك المركزية وعلى التوقعات حول كيفية تأثير البيانات الواردة القديمة ذات الجودة المتغيرة في تحديد أسعار الفائدة من قبل محافظي البنوك المركزية.
ضمن هذا الإطار السياسي الهش، الرجعي، أصبح قصر النظر وباء. ويكمن الخطر في أن الأسواق تتجاهل الأساسيات طويلة المدى. ستكون هذه المخاطر مرتفعة بشكل خاص في 2024، الذي سيشهد انعكاسات مستمرة في الاتجاهات الاقتصادية طويلة الأمد.
رغم الافتراضات المبهجة التي تبنتها الأسواق أخيرا بشأن تراجع التضخم، فمن المؤكد أن العصر الذي طال أمده من أسعار الفائدة المنخفضة للغاية قد انتهى. نعم، ستنخفض أسعار الفائدة قصيرة الأجل في 2024 مع استمرار انخفاض التضخم. لكن المدى الأطول مسألة أخرى.
كبداية، فإن التزام البنوك المركزية بتقليص ميزانياتها العمومية بعد الفترة الممتدة من التيسير الكمي يعني أنها ستسحب قوتها الشرائية من الأسواق العامة في الوقت الذي وصلت فيه متطلبات الاقتراض الحكومية إلى أعلى المستويات.
يرتبط تهديد أوسع لوجهة نظر تفاؤلية للغاية بأنه لا توجد تبعات للديون الحكومية الناتجة عن أسعار فائدة حقيقية ضئيلة منذ الأزمة المالية في الفترة 2007-2009، بانعكاس كثير من الصدمات الإيجابية للعرض والتي تعرض لها الاقتصاد العالمي منذ الثمانينيات.
وأهم هذه المخاوف هو تأثير صعود الصين وغيرها من الأسواق الناشئة في سوق العمل العالمية. لقد أدى ذلك إلى وفرة في العمالة تسببت في انخفاض الأجور في العالم المتقدم. تمثلت إحدى النتائج في انخفاض الاستثمار مع قيام الشركات باستبدال رأس المال بالعمالة، وهو ما يساعد على تفسير سجل الإنتاجية الكئيب منذ الأزمة. وكان مبعث القلق الآخر هو التضخم الهادئ (الذي نال محافظو البنوك المركزية الفضل فيه بكل سرور).
لكن القوى العاملة العالمية تتقلص الآن. فمنذ الجائحة، زادت القدرة التفاوضية للعمال، وستزداد أكثر مع استمرار تقلص القوى العاملة في الدول المتقدمة التي تعاني الشيخوخة السكانية، وكذلك في الصين وكوريا. والآن يشجع الارتفاع في الأجور الشركات على استبدال رأس المال بعمالة أكثر تكلفة.
يجري الآن التقليل من مخاطر الآثار الأخرى الحميدة اقتصاديا للعولمة، كمخاطر سلاسل التوريد العابرة للحدود، عبر المواجهة الجيوسياسية. وهذا يجلب المرونة على حساب الكفاءة الاقتصادية. وفي هذه الأثناء، تتزايد النزعة الحمائية. وكل هذه أخبار كئيبة بالنسبة إلى النمو.
يقول كينيث روجوف من جامعة هارفارد إنه حتى لو انخفض التضخم فمن المرجح أن يظل أعلى على مدى العقد المقبل مقارنة بالعقد الذي أعقب الأزمة المالية. ويستشهد بعوامل من بينها ارتفاع مستويات الديون، وزيادة الإنفاق الدفاعي، والتحول الأخضر والمطالبات الشعبوية بإعادة توزيع الدخل. من الصعب الجدال في هذا، رغم وجود سؤال مفتوح حول المدى الذي قد تتمكن فيه التكنولوجيات مثل الذكاء الاصطناعي من تعويض هذه الضغوط التضخمية.
ولا ينبغي لنا أن نتوقع أن تهب الصين للإنقاذ سواء على جبهة النمو أو التضخم كما فعلت بعد الأزمة المالية. يواجه نموذج النمو السابق الذي كانت تعتمده الصين، الذي كان مدفوعا إلى حد كبير بسوق العقارات، تحديات بنيوية الآن، ومن المتوقع من الآن فصاعدا أن تقل واردات الصين.
إن أحد التأثيرات الأكثر عمقا الناجمة عن عكس السياسة النقدية المفرطة في التساهل سيكون تأثيرها في ربحية قطاع الشركات وتمويله في الدول المتقدمة. تظهر دراسة أجراها مايكل سموليانسكي من الاحتياطي الفيدرالي أن انخفاض نفقات الفائدة ومعدلات الضرائب على الشركات يفسر أكثر من 40 في المائة من النمو الحقيقي في أرباح الشركات من 1989 إلى 2019 للشركات غير المالية المدرجة على مؤشر إس أند بي 500.
هذا رقم كبير لافت للنظر وستكون الصورة متشابهة حول العالم المتقدم. في ظل المأزق المالي اليوم، أصبح نطاق مزيد من التخفيضات الضريبية على الشركات ضئيلا للغاية، ولن تعود أسعار الفائدة إلى نحو الصفر. لذا، استعدوا لتباطؤ طويل المدى في نمو أرباح الشركات وعوائد الأسهم.
بعد هذه الانعكاسات الكبيرة سيتضمن الوضع الطبيعي الجديد للمستثمرين مشهدا نقديا صعبا للغاية مع تقلبات متزايدة وعوائد أعلى للسندات طويلة الأجل مما كانت عليه في الأعوام الأخيرة. وعلى خلفية الدين العام المتنامي، تسهم أسعار الفائدة الرسمية الصارمة الآن في ارتفاع تكاليف الاقتراض الحكومي إلى حد غير مريح.
بالتالي، قد تشتد الضغوط السياسية على البنوك المركزية. وفي الوقت نفسه، فإن ارتفاع أسعار الفائدة وعوائد السندات في النظام النقدي الذي لم يعد شديد التساهل سيفرض ضغوطا مستمرة على النظام المالي، ما يضع أهداف البنوك المركزية المتمثلة في السيطرة على التضخم والاستقرار المالي في صراع محتمل. يبدو من المشكوك فيه ما إذا كان ممارسو السوق قد أخذوا هذا الوضع السام في الحسبان.