حوادث الطيران .. أسوأها يحدث على الأرض
كان الحطام المحترق لطائرة الخطوط الجوية اليابانية في مطار هانيدا في طوكيو بمنزلة تذكير مزعج بأن كثيرا من أسوأ حوادث الطيران يحدث على الأرض وليس في الجو.
أمضى محققو السلامة الأسبوع في التحقيق في تسلسل الأحداث التي أدت إلى تصادم بين طائرة جيه أيه إل أيرباص أيه 350 وطائرة أصغر حجما تابعة لخفر السواحل، عندما هبطت الأولى على المدرج. تمكن جميع الركاب وأفراد الطاقم البالغ عددهم 400 شخص على متن الطائرة من الهروب من الطائرة جيه أيه إل، لكن خمسة من فريق خفر السواحل المكون من ستة أفراد لقوا حتفهم.
يجري تحقيق مجلس سلامة النقل في اليابان بالتوازي مع تحقيق الشرطة في الإهمال المهني المحتمل. وذكرت هيئة الإذاعة والتلفزيون اليابانية "إن إتش كيه" الجمعة أن لقطات كاميرا المطار أظهرت أن طائرة خفر السواحل ربما كانت على المدرج بالخطأ لمدة تصل إلى 40 ثانية قبل الاصطدام.
وحذر خبراء سلامة الطيران من استباق نتائج التحقيقات، لكنهم قالوا "إن الحادث الذي وقع يوم الثلاثاء والزيادة الأخيرة في عدد الحوادث الوشيكة سلطا الضوء على المخاطر التي يواجهها الركاب أثناء وجودهم على الأرض، والحاجة إلى تحسين أنظمة التنبيه لمنع الاصطدامات المميتة".
وقال حسن شهيدي، الرئيس التنفيذي لمؤسسة سلامة الطيران، وهي منظمة غير ربحية مقرها الولايات المتحدة قامت بتنسيق تقرير صدر في ديسمبر، يدعو إلى تحسين السلامة على الأرض "لقد عادت حركة المرور، أصبحت الأمور أكثر ازدحاما وأصبحت مناطق مدرج المطارات معقدة وعسيرة، مع وجود كثير من الأجزاء المتحركة والتفاعلات".
"هذا مجال مثير للقلق ويجب أن يكون هناك جهد دولي لمنعه"، بحسب وصف شهيدي.
يمكن أن تكون الاصطدامات على المدرج كارثية. فقد وقع أعنف حادث طيران تجاري في عام 1977 عندما اصطدمت طائرتان من طراز بوينج 747 جامبو على المدرج في مطار تينيريفي وسط ارتباك بشأن تصاريح الإقلاع، ما أسفر عن مقتل 583 شخصا.
أدت الكارثة إلى تغييرات كبيرة في بروتوكول السلامة، بما في ذلك اتصالات أكثر وضوحا وموحدة بين برج المراقبة وقمرة القيادة. ومع وجود معايير صارمة لإبقاء الطائرات متباعدة على الأرض وفي السماء، يمكن لصناعة الطيران أن تفتخر بسجل سلامة ممتاز بشكل متزايد.
لكن أحد الطيارين السابقين في الخطوط الجوية البريطانية قال "إنه لا يزال هناك خطر أكبر لحدوث مشكلات على الأرض منه في الجو"، وأضاف "إنها بيئة مليئة بأعباء العمل، حيث تحتاج إلى زيادة اهتمامك بالتفاصيل".
تشغل الطائرات أنظمة تجنب الاصطدام أثناء تحليقها في الجو، لكن لا يوجد "خط دفاع أخير" عالمي في المطارات، وفقا لتقرير مؤسسة سلامة الطيران "إف إس إف".
يشار إلى أن الطائرات الحديثة مجهزة بأنظمة محسنة للتحذير من الاقتراب من الأرض، التي تزود أطقم الطيران بمعلومات دقيقة وفي الوقت المناسب حول الصراعات المحتملة مع العوائق أو التضاريس عند اقترابهم من الأرض. وغالبا ما تكون التكنولوجيا الأرضية باهظة التكلفة وغير قابلة للتطوير لنشرها في آلاف المطارات.
وقال خبراء سلامة الطيران "إن تطوير نظام إنذار أرضي مخصص كان أكثر تعقيدا، نظرا للأنواع المختلفة من الطائرات والمركبات الأرضية"، كما أضاف الخبراء أنه "من المهم عدم تطوير نظام يوفر إنذارات كاذبة للطيارين".
تمتلك شركة هانيويل الأمريكية بالفعل كثيرا من تكنولوجيات سلامة المدارج المستخدمة من قبل شركات الطيران لكنها تعمل على تطوير نظام جديد "للإنذار السطحي" مصمم لمنع دخول الطيارات المدرج دون تصريح عبر إعطاء الطيارين تحذيرات مرئية وصوتية حول المخاطر المحتملة.
وقال جيم كوريير، الرئيس التنفيذي لشركة هانيويل إيروسبيس، "إن التكنولوجيا، التي يمكن أن تكون جاهزة للنشر تدريجيا على مدى الأعوام القليلة المقبلة، تحلل بيانات موقع الطائرة عبر خوارزميات متخصصة لتنبيه الطيارين إذا كانت هناك طائرة أو مركبة أرضية على المدرج أو بالقرب منه".
ودعا توموكي كوانو، طيار سابق في "جيه أيه إل"، الذي شارك في تحقيقات متعددة في حوادث الطائرات، إلى إجراء تحقيق أوسع حول سبب عدم وجود أنظمة أكثر تطورا لمنع وقوع حادث من النوع الذي وقع هذا الأسبوع في طوكيو.
وقال كوانو "الأمر ليس شبيها بالطرق التي فيها إشارات مرور. إن أوامر التوقف والانطلاق في المطارات تتم جميعها عن طريق الصوت، وطالما ظل الأمر كذلك، فسيكون هناك خطر حدوث خطأ بشري وسوء تواصل".
وقالت الجهات التنظيمية وخبراء الصناعة "إنه لا يوجد عامل واحد وراء الزيادة في حالات الحوادث الوشيكة. لكن المشكلات جاءت مع ازدياد ازدحام المطارات بعد رفع قيود السفر المفروضة بسبب فيروس كورونا، ما أدى إلى ازدحام المطارات ونقص الموظفين في بعض أبراج المراقبة".
ويعتقد البعض أن التواصل بين الطيارين وأبراج المراقبة قد تدهور.
قال شهيدي "هذه الأنظمة ليست قوية كما كانت في الماضي. أعتقد أننا نشهد مجموعة من العوامل: كوفيد، وفقدان الخبرة وقلة القوى العاملة".
لقد انخفض عدد مراقبي الحركة الجوية في الولايات المتحدة بمقدار ألف، مقارنة بما كان عليه قبل عقد من الزمن، بينما حذرت النقابات العمالية في أوروبا من مخاطر نقص عدد الموظفين وإرهاق الطيارين ومراقبي الحركة الجوية.
تخضع سلامة المدرج لتدقيق خاص في الولايات المتحدة، حيث كان هناك نحو 20 حادثة توغل خطيرة محتملة عام 2023، وفقا لمؤسسة سلامة الطيران، بما في ذلك حادث تصادم وشيك بين طائرة ركاب تابعة لشركة ساوث ويست وطائرة شحن فيد إكس في تكساس في فبراير.
وخلص تقرير أعدته إدارة الطيران الفيدرالية حول سلامة الحركة الجوية، نشر في نوفمبر، إلى حدوث ارتفاع في أخطر أنواع حوادث المدرج، وأن أنظمة مراقبة الحركة الجوية تعاني "نقص التمويل" في التوظيف، والمعدات، والتكنولوجيا والمرافق.
وقالت إدارة الطيران الفيدرالية "إنها تسعى إلى تحقيق هدف تجنب الحوادث الوشيكة، واتخذت إجراءات لتقليل عدد الحوادث الوشيكة وسط تآكل هامش السلامة في نظام المجال الجوي الوطني، بما في ذلك استثمار 200 مليون دولار في إضاءة المدارج في المطارات".
ومع توقع أن يتجاوز السفر الجوي للأفراد قريبا مستويات ما قبل الجائحة، فإن كثيرا من المطارات ذات القدرة الاستيعابية المحدودة ستتعرض لضغوط لإرفاق أكبر عدد ممكن من الرحلات الجوية التي يمكن لبنيتها التحتية التعامل معها بأمان.
وقال فريديريك ديلو، نائب الرئيس التنفيذي لأوروبا في الاتحاد الدولي لرابطات مراقبي الحركة الجوية "تتطلب السلامة كثيرا من الاستثمار. قد لا تدرك الفوائد على الفور، لكنها ستؤتي ثمارها يوما ما".
لكن يظل الطيران آمنا للغاية. ففي عام 2023، لم تكن هناك حوادث مميتة لطائرات الركاب الكبيرة ذات المحركات النفاثة. ووقع حادثان لطائرات مروحية أصغر حجما أسفرا عن مقتل 86 شخصا، لكن هذا الرقم لا يزال منخفضا بشكل قياسي، وفقا لشركة تو70 الهولندية لاستشارات الطيران.
وتمثل هذه الأرقام ما يعادل أقل من حادث مميت واحد كل 15 مليون رحلة طيران.
ومع استمرار البحث عن جهاز تسجيل صوتي من حطام طائرة الأيرباص، قال الخبراء "إن الدروس المستفادة من الحادث الذي وقع في أكثر مطارات اليابان ازدحاما ستشكل أيضا عملية صنع السياسات لتقليل احتمالات وقوع حوادث وشيكة واصطدامات".
وقال ديلو "يمكننا أن نتعلم من الحادث من أجل تحسين النظام، وجعله أكثر أمانا ومرونة".