المتاجر الصامدة في المملكة المتحدة تسعى لتجنب مصير المنافسين المنهارين
كان جون إدجار مشغولا بالإشراف على فريق من البنائين، وهم يثقبون حفرة في خمسة طوابق في متجر فينويك الرئيس في نيوكاسل، للسماح للضوء بالدخول من الأعلى.
حيث قال الرئيس التنفيذي، الذي يقوم أيضا بتركيب مزيد من النوافذ وتجديد الأرضية "إنها مهمة ضخمة.. لكن هذا هو الشيء الصحيح الذي يجب القيام به، فهو يمنحك مظهرا جماليا أفضل".
وتنفق سلسلة المتاجر الكبرى، التي تملك تسعة مواقع في المملكة المتحدة، 40 مليون جنيه استرليني على تجديد متجرها في شارع نورثمبرلاند، وهو الدعامة الأساسية في الشمال الشرقي من البلاد منذ اشترى جون جيمس فينويك، مساعد المتجر الطموح، جزءا من المبنى عام 1882.
لكن طول عمر المتاجر الكبرى أصبح موضع شك بسبب الانهيارات الأخيرة البارزة، التي امتدت من دبنهامز وهاوس أوف فريزر إلى متاجر السلاسل الأصغر مثل بيلز وجينرز في إدنبره، هذا إلى جانب بيع "فينويك" متجرها في شارع نيو بوند في لندن، الذي من المقرر أن يغلق أبوابه عام 2024.
إن المنافسة المتزايدة من تجار التجزئة عبر الإنترنت، وضعف الدخل المتاح بين العملاء وارتفاع التكاليف اليومية للأعمال، تدفع المتاجر الكبرى إلى تحسين استراتيجياتها لضمان بقاء علاماتها التجارية.
وعلى مدى الأعوام الخمسة حتى 2023 - 2024، من المتوقع أن تكون إيرادات المتاجر الكبرى قد تقلصت بمعدل سنوي متوسط قدره 2.7 في المائة لتصل إلى 35.6 مليار جنيه استرليني، وفقا لمجموعة الأبحاث أيبيس وورلد، رغم النمو الذي كان متوقعا بنسبة 0.7 في المائة عام 2023.
وقد حذر إدجار، الذي عمل سابقا في سيلفريدجز وهارودز، من أن المتاجر متعددة الأقسام معرضة لخطر الاندثار في حال لم تحصل على استثمار أو تقم بإعادة ابتكار نفسها.
وقال إدجار "عندما بدأت العمل أول مرة في سيلفريدجز كان الأمر أشبه بمسرح تتم إعادة ضبطه كل صباح من أجل أداء ذلك اليوم، وهذه عقلية مختلفة عن شخص يفتح الباب ويقول: حسنا، أبوابنا الآن مفتوحة، هل يمكننا أخذ بعض المال منكم؟".
"هذا ما نحاول القيام به في هذا النوع من الأعمال وهذا هو ما تدور حوله المتاجر الكبرى. الأمر يتعلق بأداء اليوم من أجل إغراء الناس حتى يحفزوا أنفسهم".
وقد أعلنت متاجر فينويك زيادة بنسبة 31 في المائة في إجمالي المبيعات إلى 315 مليون جنيه استرليني في العام حتى يناير 2023 حيث سعى الناس لقضاء مزيد من الوقت في المتاجر.
وقال إدجار "إننا نضع أكبر قدر ممكن من الميزات التنافسية بيننا وبين المتاجر من أمثال جون لويس. لأن هذا ليس هو المكان الذي نريد أن نتاجر فيه. إن هذا مجال يصعب الوجود فيه وسينتهي بك الأمر باللعب على السعر، بمعنى خفض الأسعار وعمل تنزيلات".
وكانت شركة جون لويس قد أغلقت 16 متجرا أثناء الجائحة، لينخفض عدد متاجرها الإجمالي إلى 34 متجرا بعدما قامت بتنفيذ خطة تحول طويلة الأمد. وقامت شركة ماركس آند سبنسر المنافسة في الشوارع التجارية الرئيسة بإغلاق عشرات من المتاجر غير المرغوب فيها لإعطاء الأولوية لفروع جديدة في مواقع أكثر ربحية.
وأضاف إدجار "نحن نتميز بالتجربة، والخصوصية والتفرد والضيافة. إن من الصعب طبعا تقديم تجربة فريدة كل يوم في كل موقع، لكن هذا المتجر هو مثال جيد على ذلك".
توم أثرون، الرئيس التنفيذي لشركة فورتنوم آند مايسون، لبيع المواد الغذائية الفاخرة والهدايا بالتجزئة، يعتقد أن دور المتاجر الكبرى قد تغير بشكل كبير خلال العقد الماضي.
وقال "الحقيقة هي أنه يتعين عليهم العمل بجدية أكبر حتى يكون لديهم سبب للوجود. لقد اختفت فكرة أن تكون مكانا مناسبا للتسوق مع ظهور مراكز التسوق والإنترنت". ويسعى أثرون إلى تسخير الطفرة في محتوى الوسائط الاجتماعية الذي ينشئه المستخدمون لإيجاد "لحظات إنستجرام" وتحويل الزوار الجدد إلى متسوقين.
وقال "الأمر كله يتعلق بالفيديو، وليس الصور. يجب أن يكون هناك صوت أيضا". وتميزت ردهة متجر فورتنم بحلويات عيد الميلاد العملاقة خلال عيد الميلاد التي تم رفعها جنبا إلى جنب مع الأصوات الاحتفالية.
ويعتقد أنه "يجب أن يكون هناك عنصر مسرحي في المتاجر وأن على عروضها أن تكون متميزة".
وقال "نحن واضحون للغاية فيما نمثله الآن: الأمر كله يتعلق بالطعام والشراب الاستثنائيين. إن كل ما نقوم به يقع في دوائر متحدة المركز حول هذا الاعتقاد الأساس".
لكن دون داعمين صبورين، لا يمكن ضمان أن تبقى الأمور يسيرة. إذ باعت عائلة فينويك متجرها البالغ من العمر 130 عاما في لندن مقابل ما يقدر بنحو 430 مليون جنيه استرليني عام 2022، وذلك في جزء منه من أجل إطلاق العنان للاستثمار في المواقع المتبقية لكن أيضا لسداد الديون، وتوسيع أعمال التجارة الإلكترونية الخاصة بها ودفع الأموال إلى نظام التقاعد الخاص بها.
وقال إدجار "حقيقة إننا مملوكون لعائلة - ما يعني أن لديك رؤية أبعد قليلا للعالم - تعني أننا قادرون على الصمود في وجه العواصف أكثر قليلا. وكما تعلمون أن مثل هذه الشركات، لا تحقق الثراء السريع. وأي شخص يقول إن هناك نسخة من ذلك فهو يحلم".
وقد أنفق عادل محبوب خان، الرئيس التنفيذي لمتجر ليبرتي في لندن، تسعة ملايين جنيه استرليني خلال الجائحة على ترميم المبنى، بمباركة المستثمرين. وكان لا بد من إزالة ما يقرب من 300 نافذة من المتجر ذي الإطارات الخشبية الذي يعود تاريخه إلى قرن من الزمن من أجل إصلاحها، الذي تملكه شركة جليندور كابيتال للأسهم الخاصة ومساهمون آخرون من القطاع الخاص.
وقال محبوب خان "لدينا مستثمرون من القطاع الخاص يدركون أن هذه شركة عمرها 150 عاما، وعلينا جميعا واجب التفكير فيما سنفعله على مدى الـ150 عاما المقبلة بدلا من التفكير في ربع العام المقبل". وقد ارتفعت إيرادات المجموعة للعام المنتهي في 28 يناير 2023 بنسبة 20 في المئة لتحقق تقريبا 184.9 مليون جنيه استرليني مقارنة بمستويات ما قبل كوفيد. وفي الوقت نفسه، اضطرت مجموعة سنترال جروب التايلاندية، التي تسيطر على منافستها سيلفريدجز، إلى تقديم ضمانات في نوفمبر بأنها وصية مستقرة ماليا بعد أن تعرضت شريكتها النمساوية سيجنا لأزمة مالية.
وقد تساقطت سلسلة من المتاجر الكبرى التي عانت نقص الاستثمار على جانب الطريق لأنها فشلت في تحفيز المتسوقين.
وكان ما يقرب من ثلثي متاجر دبنهامز لا يزال فارغا في شهر أغسطس، وكانت المراكز الكبرى داخل المدينة هي الأكثر تضررا جراء الإخلاءات، حيث كشف ذلك عن صعوبات العثور على وظيفة جديدة لمثل هذه المساحات.
وقال توم ويتنجتون، من شركة سافيلز العقارية، التي تقوم بتسويق بعض المواقع التابعة لمتاجر دبنهامز، "إنه رغم أن المملكة المتحدة لديها ربع مساحة فائضة من محال البيع بالتجزئة، إلا أن هناك فرصة كبيرة لتحديث وتغيير العلامة التجارية لشوارعنا الرئيسة التجارية بالأشياء المستقبلية".
وفي أواخر القرن الماضي، استحوذت كبرى العلامات التجارية لمحال البيع بالتجزئة، التي تغذيها الديون، على الشركات المحلية الصغيرة أو اضطرت المحال المستقلة إلى الخروج من السوق، ما أدى إلى ظهور ما يسمى بالمدن المستنسخة.
وقال ويتنجتون "حقيقة أن متجر دبنهامز قد سقط خلال الجائحة، كانت مجرد مسألة عرضية. الجائحة لا علاقة لها بما يحدث وما يقوم بتشكيل هذه السوق".
"إن معظم إخفاقات قطاع التجزئة التي شهدناها في الأعوام الأخيرة كانت تلك التي تفتقر إلى الاستثمار، الأمر الذي أدى إلى فقدان نقطة تميزها مثلها مثل أي شيء آخر". وبعد عام من شراء متجر هاوس أوف فريزر من الإدارة عام 2018، قال مايك أشلي قطب التجزئة "إن عملية الشراء ربما كانت خطأ لأنها أثرت في الأرباح الأساسية للمجموعة وأثبتت صعوبة دمجه".
لكن مايكل موراي، صهر أشلي والرئيس التنفيذي لمجموعة فريزر، التي تمتلك علامات تجارية تراوح بين سبورتس دايركت ومتاجر جيم، أصبح الآن أكثر تفاؤلا بشأن توقعات إغلاق بعض المواقع بينما يقوم بإصلاح مواقع أخرى.
وقال "إن متجر فريزر الجديد من المحتمل أن يكون المتجر الحديث متعدد الأقسام إذا نظرت إلى ما نقوم به، نحن نجمع بين أعمال مجموعتنا. ويمكننا تحويل المتاجر القديمة إلى مساحة ذات فاعلية وإنتاجية أكبر".
ويعتقد ستيف هندرسون، المدير في شركة سافيلز، أن الاستثمار يولد الاستثمار وأنه نعمة للاقتصادات المحلية. وقال "لقد غيرت خطط متاجر فينويك الجديدة في نيوكاسل الإمكانات بالنسبة إلى المستأجرين المحيطين بها. إذا كان أشخاص مثل فينويك يستثمرون فيها، فإن شركات التجزئة الأخرى تؤمن بها". وقد أوضح بيتر سيلفرستون، رئيس الشؤون التجارية في نادي نيوكاسل يونايتد لكرة القدم، وجهة نظره، الذي أعلن في ديسمبر صفقة رعاية مع "فينويك".
"إنهما شركتان محليتان تتمتعان بأكثر من 270 عاما من التاريخ والتراث، اجتمعتا معا لمصلحة المنطقة والمدينة".