كيف أصبحت «هيونداي» ناجحة في أمريكا؟
بينما عملت شركات صناعة السيارات الأمريكية على تطوير شاحنات صغيرة كهربائية، اتجهت منافستها الكورية "هيونداي" إلى حجم أصغر من المركبات وحققت أرباحا أكبر.
فمن خلال التركيز على سيارات السيدان الأكثر أناقة والسيارات الرياضية المدمجة التي يستطيع المستهلكون شراءها، تفوقت المجموعة الكورية الجنوبية وعلامتها التجارية الشقيقة "كيا" معا على شركتي فورد وجنرال موتورز واحتلتا المركز الثاني في مبيعات السيارات الكهربائية في الولايات المتحدة بعد شركة تسلا.
وبلغت حصة العلامتين التجاريتين معا في السوق الأمريكية 7.5 في المائة في الأرباع الثلاثة الأولى من عام 2023، خلف "تسلا" بكثير بنسبة 57.4 في المائة، لكن قبل "شفروليه" من "جنرال موتورز" بنسبة 5.9 في المائة، و"فورد" بنسبة 5.5 في المائة.
قد تتخلف الولايات المتحدة عن الصين، التي تعد أكبر سوق للسيارات الكهربائية في العالم، لكنها تمثل مجمع أرباح كبيرا للصناعة. ومن المتوقع أن تنتقل إلى المركبات بمرور الوقت. وذكرت شركة هيونداي الأسبوع الماضي أن مبيعاتها في الولايات المتحدة نمت بنسبة 5 في المائة على أساس سنوي في الربع الرابع، مع تضاعف مبيعات سيارتها أيونك 5 الكهربائية تقريبا.
ويتوج الثنائي الكوري عقدين من النمو الذي شهد تحول شركتهما من وافد أجنبي غير معروف إلى واحدة من أكثر العلامات التجارية هيمنة في السوق، وواحدة في وضع يسمح لها بالازدهار في عصر السيارات الكهربائية.
وقال خوسيه مونيوز، الرئيس التنفيذي للعمليات في شركة هيونداي ورئيس الأعمال في أمريكا الشمالية "كانت القيادة الكهربائية أمرا رأيناه بمنزلة اتجاه قوي وواضح للغاية، وكنا بحاجة إلى الاستفادة منه".
ويعد نمو مبيعاتها من السيارات الكهربائية في الولايات المتحدة مذهلا بشكل خاص نظرا لأن هيونداي لا يمكنها تقديم خصم للمستهلكين بقيمة 7500 دولار. وعلى عكس بعض الطرازات من شركات فورد وجنرال موتورز وفولكسفاجن ونيسان، فإن سياراتها الكهربائية لا تصنع في الولايات المتحدة، وبالتالي فهي غير مؤهلة للحصول على الإعفاء الضريبي بموجب قانون الحد من التضخم الذي أقره الرئيس جو بايدن.
كما تمتلك مجموعة هيونداي موتور، التي تمتلك العلامات التجارية هيونداي وكيا وجينيسيس، رابع أكبر حصة في سوق السيارات الأمريكية عموما، بعد تويوتا وفورد وجنرال موتورز، وفقا لبيانات المبيعات من شركة إس آند بي جلوبال.
وقال تروي ستانجارون، المدير المسؤول في المعهد الاقتصادي الكوري الأمريكي "كانت هيونداي وكيا في الولايات المتحدة تعدان سيارات من الدرجة المتدنية وغير موثوقة"، وأضاف "لكن الآن، لا ينظر إلى سياراتهما الكهربائية على أنها جيدة على الأقل مثل نظيراتها من تسلا فحسب، بل إنها أرخص أيضا. وقد أدى ذلك إلى ارتفاع حاد للغاية في المبيعات في فترة زمنية قصيرة جدا".
ومع تقديم قانون الحد من التضخم إعفاءات ضريبية لمشتري المركبات الكهربائية المجمعة في أمريكا الشمالية، تقوم هيونداي ببناء مصنع بقيمة 7.6 مليار دولار في ولاية جورجيا، وهو أكبر استثمار لأي شركة لصناعة السيارات في مصنع جديد للسيارات الكهربائية في الولايات المتحدة. لكن حتى يتم تشغيله في عام 2024، ستظل الشركة في وضع غير مؤات نسبيا.
ومع ذلك، استفادت هيونداي وكيا من ثغرة تسمح للمركبات الكهربائية المجمعة خارج أمريكا الشمالية بالتأهل للحصول على الإعفاءات إذا تم تأجيرها بدلا من بيعها، حيث تمثل المركبات المستأجرة ما يقرب من 40 في المائة من إجمالي مبيعات المركبات الكهربائية لدى الشركتين.
وقد استفادت شركة هيونداي بلا شك من الأخطاء التي ارتكبها اللاعبون المحليون في الولايات المتحدة. حيث كانت سيارة تشيفي بولت الكهربائية بالكامل من جنرال موتورز صغيرة جدا بالنسبة إلى عديد من المستهلكين، في حين طورت الشركة أيضا نسخة عالية التكلفة تعمل بالبطارية من سيارتها العملاقة هامر ذات الدفع الرباعي المدمج.
وفي حين إن سيارة فورد الكهربائية الأولى، موستانج ماك-إي، لقيت استحسانا كبيرا من قبل جمهور السيارات، فقد تم تصنيعها باستخدام القاعدة من طراز بنزين موجود، بدلا من اتباع نهج شامل. وتعد شاحنة فورد الكهربائية الصغيرة، إف-150 لايتنينج، مهمة للمجموعة للدفاع عن مجمع أرباحها في الشاحنات، لكنها تركت ساحة سيارات الدفع الرباعي الصغيرة مفتوحة على مصراعيها.
وقال كيم تاي نيون، رئيس مركز ميراي لأبحاث التنقل في سيئول "هيونداي هي واحدة من الشركات القليلة التي تنتج سيارات السيدان الكهربائية، في حين إن شركات صناعة السيارات الثلاث الكبرى في الولايات المتحدة تركز على تصنيع سيارات الدفع الرباعي الكبيرة والشاحنات الصغيرة".
وأضاف "وهذا يعني أنها كانت قادرة على تحقيق نجاحات سريعة في السوق الأمريكية على الرغم من دخولها المتأخر نسبيا في مجال السيارات الكهربائية".
كما طورت هيونداي سيارات كهربائية بالكامل لا تعتمد على طرازاتها الحالية التي تعمل بالبنزين، ما يعني أن سياراتها أرخص وأكثر اتساعا وتتمتع بنطاقات وديناميكيات قيادة أفضل من تلك التي تم تعديلها لتتوافق مع أحد الأنظمة الموجودة.
وقال مونيوز من شركة هيونداي "أحد الأسباب التي تجعل الناس يخسرون المال هو محاولتهم تعديل مركبات محركات الاحتراق الداخلي وإضافة بطارية إليها. من الصعب للغاية جعل السيارة قادرة على المنافسة عندما يتعلق الأمر بالمدى أو الأداء أو السعر".
وفي حين إن معظم شركات صناعة السيارات الأخرى اتبعت نهجا مشابها، إلا أن المجموعة الكورية تصرفت مبكرا وتم استقبال سياراتها بشكل أفضل من تلك الموجودة على منصات المركبات الكهربائية المخصصة من منافسين مثل شركة فولكسفاجن".
إن التقدم الذي حققته المجموعة في الولايات المتحدة هو جزء من دفعة عالمية أكبر، التي تستهدف الأسواق الأوروبية والهندية وجنوب شرق آسيا بعد انهيار مبيعاتها في الصين خلال العقد الماضي.
فقد انخفضت إيرادات شركة هيونداي موتور الصينية بنسبة 76 في المائة بين عامي 2016 و2022، وفقا لشركة سي إي أوه سكور لأبحاث السوق ومقرها سيئول، بعد أن فرضت بكين حظرا غير رسمي على المنتجات الكورية في عام 2016 ردا على نشر نظام دفاع صاروخي أمريكي في كوريا الجنوبية.
وقال لي هانج كو، رئيس معهد جيونبوك لتكنولوجيا تقارب السيارات، "إن آثار الحظر تفاقمت بسبب محاولة هيونداي التنافس مع شركات صناعة السيارات الصينية على السعر بدون إضافة ميزات رقمية متطورة لسياراتها".
لكن نكساتها في الصين يمكن تعويضها بالنجاح في الهند، التي تفوقت أخيرا على اليابان كثالث أكبر سوق للسيارات في العالم بعد الصين والولايات المتحدة.
وتدير شركة هيونداي مصنعين للسيارات في مدينة تشيناي جنوب شرق البلاد، ويتمتع كل منهما بطاقة إنتاجية سنوية تبلغ 820 ألف مركبة. وفي أغسطس، وقعت اتفاقية للاستحواذ على مصنع جنرال موتورز في ولاية ماهاراشترا غرب الهند، الذي تعتزم استخدامه لإنتاج المركبات الكهربائية حيث تستهدف إنتاج مليون سيارة سنويا للسوق المحلية.
وقال "إن شركة هيونداي تحقق أداء جيدا بشكل استثنائي في البلاد بسبب تركيزها على السيارات المدمجة المصممة خصيصا للسوق الهندية". لكنه حذر من أن ضعف كوريا الجنوبية التقليدي في مجال البرمجيات يمكن أن يشكل حجر عثرة على المدى الطويل.
وأضاف "تفتقر كوريا إلى مهندسي برمجيات السيارات، كما أن هيونداي ضعيفة في هذا المجال، لذا فهي تعمل على توسيع التعاون مع شركات التكنولوجيا الأجنبية. إن تأمين التكنولوجيات اللازمة لرفع نظام التشغيل أمر ضروري للمستقبل، لكن ربما تضطر هيونداي إلى الاعتماد على المساعدة الخارجية".