قل وداعا لعصر المال السهل .. المفسد
معظم الناس يريدون رؤية أسعار فائدة منخفضة. لكن أسعار الفائدة المنخفضة تغير سلوك المستثمرين، وتشوهه بطرق قد تؤدي إلى عواقب وخيمة. فكما يوضح الكتاب الرائع (ثمن الوقت: القصة الحقيقية للفائدة) للمؤرخ المالي إدوارد تشانسلور، هناك عديد من الجوانب السلبية لما يسمى بـ"المال السهل".
فالمال السهل يبقي الاقتصاد عاليا، على الأقل مؤقتا. لكن أسعار الفائدة المنخفضة يمكن أن تجعل الاقتصاد ينمو بسرعة أكبر من اللازم، ما يؤدي إلى ارتفاع التضخم وزيادة احتمال رفع أسعار الفائدة لمحاربته، وهذا يثبط مزيدا من النشاط الاقتصادي. إن هذا التذبذب في أسعار الفائدة يمكن أن يتسبب في تأرجح الاقتصاد بين التضخم والركود. ولا ينبغي لأحد أن يرغب في هذا.
علاوة على ذلك، فإن المعدلات المنخفضة لأسعار الفائدة تقلل العوائد المتوقعة على الاستثمارات الآمنة إلى مستويات تعد غير مستساغة، الأمر الذي يشجع المستثمرين على قبول الأخطار المتزايدة سعيا إلى تحقيق عائد أكبر. وبالتالي، في الأوقات التي يكون فيها العائد منخفضا، يتم إجراء استثمارات لا ينبغي القيام بها، ويتم بناء مبان لا ينبغي تشييدها، ويتم تحمل أخطار لا ينبغي تحملها. وينتقل رأس المال من الأصول الآمنة ذات العائد المنخفض إلى الفرص الأخطر، ما يؤدي إلى ارتفاع أسعار الأصول. وهذا يشجع على مزيد من المخاطرة والمضاربة.
وكما كتب لي الراحل تشارلي مونجر في 2001، ربما أصبح لدينا نسخة جديدة من القول المأثور للمؤرخ البريطاني اللورد أكتون من القرن الـ19: "المال السهل يفسد، والمال السهل يفسد حتما". تصبح عملية الاستثمار تدور حول المرونة والجرأة، وليس بذل العناية الواجبة والمعايير العالية والنفور المناسب من المخاطرة. ويميل المستثمرون إلى التقليل من الأخطار، والتقليل من تكاليف التمويل المستقبلية وزيادة استخدامهم للرافعة المالية. ويؤدي هذا عادة إلى فشل الاستثمارات عند اختبارها في فترات التأزم المالي اللاحقة. وإضافة إلى ذلك، فإن أسعار الفائدة المنخفضة تدعم المقترضين على حساب المدخرين والمقرضين. ويمكن لهذا أن يؤدي إلى تفاقم عدم المساواة في الثروة.
عندما تفكر في جميع أسباب عدم إبقاء أسعار الفائدة منخفضة بشكل دائم، أعتقد أن المزايا الاقتصادية تؤيد وضع أسعار فائدة منخفضة كإجراء طارئ فقط. عندما التحقت بكلية الدراسات العليا في جامعة شيكاغو، كان الضوء الفكري الرائد هو عالم الاقتصاد ميلتون فريدمان، الذي جادل بقوة بأن السوق الحرة هي أفضل موزع للموارد. وعلى المنوال نفسه، فإنني مقتنع بأن ما يسمى أسعار الفائدة الطبيعية تؤدي إلى أفضل تخصيص شامل لرأس المال، حيث تعكس المعدلات الطبيعية للفائدة العرض والطلب على النقود. وأعتقد أنه لم تكن لدينا سوق حرة للمال منذ أواخر التسعينيات، عندما أصبح الاحتياطي الفيدرالي "ناشطا"، وحريصا على تجنب المشكلات الحقيقية والمتخيلة عبر ضخ السيولة في النظام المالي.
لذا، هل من المحتمل أن نشهد عودة ظروف المال السهل؟ في الوقت الحاضر، أعتقد أن الإجماع هو كما يلي: التضخم في الولايات المتحدة يتحرك في الاتجاه الصحيح وسيصل قريبا إلى هدف الاحتياطي الفيدرالي 2 في المائة تقريبا. نتيجة لذلك، لن تكون هناك حاجة إلى زيادات إضافية لأسعار الفائدة. وكنتيجة أخرى لذلك، أننا سنشهد هبوطا سلسا يتسم بركود بسيط أو عدم وجود ركود على الإطلاق. وبالتالي، سيكون الاحتياطي الفيدرالي قادرا على خفض أسعار الفائدة مرة أخرى.
بالنسبة إلي، فإن هذا ينم عن "التفكير المتزن": لن يكون الاقتصاد ساخنا بالدرجة الكافية لرفع التضخم أو باردا بالدرجة الكافية لإحداث التباطؤ الاقتصادي. فقد كان التفكير المتزن تاريخيا يميل إلى إيجاد توقعات عالية بين المستثمرين، وبالتالي إتاحة المجال لخيبة الأمل المحتملة. وبطبيعة الحال، هذا لا يعني أن الأمر خاطئ بالضرورة هذه المرة.
أعتقد أننا لن نعود إلى أسعار الفائدة المنخفضة للغاية لأسباب عديدة. فقد يرغب الاحتياطي الفيدرالي في تجنب البقاء في موقف تحفيزي دائم، خوفا من إشعال نوبة أخرى من التضخم المرتفع. إضافة إلى ذلك، فإن إحدى أهم وظائف الاحتياطي الفيدرالي هي تحفيز الاقتصاد إذا وقع في الركود، إلى حد كبير عن طريق خفض أسعار الفائدة، ولا يمكنه أن يؤثر بفاعلية إذا كانت أسعار الفائدة قريبة من الصفر بالفعل. وعلاوة على ذلك، يبدو أننا نشهد تراجعا في العولمة وزيادة في القدرة التفاوضية للعمال، ما يشير إلى أن التضخم قد يكون أعلى في المستقبل القريب مما كان عليه قبل 2021. وبالتالي فإنني سأظل متمسكا بتخميني بأن أسعار الفائدة ستراوح بين 2 إلى 4 في المائة، وليس 0 إلى 2 في المائة، على مدى الأعوام القليلة المقبلة.
طبعا، فإن هذه المعتقدات متأصلة في أفكاري حول الكيفية التي ينبغي للاحتياطي الفيدرالي أن يفكر بها في هذه القضية. ربما يكون ما سيفعله الاحتياطي الفيدرالي مختلفا. لكنني أعتقد أنه من المعقول افتراض أن البيئة الاستثمارية في الأعوام المقبلة ستكون مختلفة للغاية عما رأيناه في حقبة المال السهل عامي 2009-2021، ما يعني أن المستثمرين بحاجة إلى استراتيجيات مختلفة.
*الكاتب هو المؤسس المشارك والرئيس المشارك لشركة أوك تري كابيتال مانجمنت ومؤلف كتاب "إتقان دورة السوق: جعل الاحتمالات في صالحك".