الحيوانات وحرب الألوان
لا يخفى علينا أن الألوان أحد الأسلحة التي تستخدمها الحيوانات في التخفي من أعدائها وسط بيئتها الطبيعية، ونعلم أن هناك عديدا من الحيوانات تغير ألوانها حسب محيطها مثل الحرباء، أو أن لونها الأصلي يشبه الطبيعة من حولها وبذلك تصعب رؤيتها. تعد القدرة على التخفي من أهم الميزات التي يتمتع بها الحيوان المفترس بهدف تسهيل عمليات الصيد، لذلك فإن القدرة على البقاء غير مرئي بالنسبة إلى فرائسها تحدد ما إذا كانت ستحصل على وجبتها أم أنها ستجوع حتى الموت، ومن أغرب الحيوانات في التخفي النمر فنحن البشر نستطيع رؤيته بوضوح بمزيج ألوانه الأسود والأبيض والبرتقالي فنفر منه، عكس الحيوانات الأخرى مثل الغزلان والخيول فهي لا تراه. فما السر الذي يجعلنا نرى النمر بينما الحيوانات لا تشعر به إلا وهي بين فكيه؟!
لقد طور النمر في معركة البقاء لونا برتقاليا يكسو جلده فلماذا البرتقالي بالذات وليس أي لون آخر؟!
بالنسبة إلينا نحن البشر، يعد اللون البرتقالي من الألوان فائقة الوضوح، لذا في الأغلب ما نستخدمه للفت الانتباه والتحذير، مثل ألوان القمع المروري في الشوارع أو لون سترات الأمان، لذلك نستطيع مشاهدة النمر وتمييزه في أغلب البيئات، لكن الأمر ليس بهذه البساطة بالنسبة إلى الحيوانات.
وجد العلماء أن السر يعود إلى ميكانيكية الرؤية لدى الإنسان والحيوان التي تتجلى فيها دقة صنع الله تبارك في علاه، فالإنسان يستطيع الرؤية بطريقة "ثلاثية الألوان"، أي أنه عندما يدخل الضوء من العالم الخارجي إلى العين، فإنه يصطدم بطبقة رقيقة على شبكية العين. وتقوم شبكية العين بمعالجة الضوء باستخدام نوعين من مستقبلات الضوء "العصي والمخاريط". فالعصي تستشعر الاختلافات في الضوء والظلام فقط، وليس الألوان، وتستخدم في الغالب في الضوء الخافت، أما المخاريط فتمكن البشر من إدراك الألوان. لدى معظم البشر ثلاثة أنواع من المخاريط، مخاريط تشاهد الأزرق وأخرى الأخضر والأحمر. لهذا السبب تسمى رؤيتنا ثلاثية الألوان، أي أنه يمكننا رؤية ثلاثة ألوان أساسية ومجموعاتها الملونة، وتشاركنا بعض أنواع القرود في هذه الميزة. أما معظم الثدييات فتتمتع برؤية ثنائية اللون، أي أن شبكية العين تحتوي على مخاريط للونين فقط، وهما الأزرق والأخضر، وهم بذلك يشبهون البشر المصابين بعمى الألوان، حيث لا يمكن لهؤلاء التمييز بين الظلال الحمراء والخضراء. أي أنها لا ترى لونه البرتقالي إطلاقا إنما تراه أخضر، وهو ما يفسر تسلل النمر في الأعشاب أو خلف الأغصان والأشجار والانقضاض بسهولة على فرائسه.