روبرت سولو .. آخر كبار الحقبة
سيطر الفكر الكينزي على الممارسات الاقتصادية بعد الحرب العالمية الثانية ربما حتى تعثر الاقتصاد الأمريكي في السبعينيات بسبب الركود التضخمي، الذي بات معه محدودية العلاج الكينزي، أحد أبرز شخصيات الحقبة الكينزية كان روبرت سولو Robert Solow الذي توفي في 21 ديسمبر الماضي. ولد روبرت لعائلة يهودية متواضعة حيث كان أبوه خبازا ماهرا وأمه ربة بيت في بروكلين صيف 1924. حصل على البكالريوس في الاقتصاد من كلية مدينة نيويورك في 1947، ثم خدم في الحرب الثانية، ثم حصل على الدكتوراه من هارفارد في 1951، ليبدأ حياته العملية في الوكالة الوطنية للأبحاث الاقتصادية. ثم انتقل للتدريس والبحث في معهد ماساتشوستس التكنولوجي في 1949 حتى تقاعد منه 1995.
من أهم مساهماته النظرية تطويره في نظرية النمو الاقتصادي حين نشر ورقة بعنوان: مساهمة لنظرية النمو الاقتصادي حيث طرح دور العامل الخارجي "ليس المقصود الدولي وإنما الخارجي بمعنى خارج المنظومة المعتادة"، حيث فسر دور التقدم التقني ومدى التقدم والتراجع في ظل مستوى التقدم التقني. ذكر في أحد محاضراته أن هناك علاقة طردية إيجابية بين مستوى التقدم التقني والاستثمارات في الاقتصاد. نظرية سولو أعطت صانعي السياسة الاقتصادية نموذج تفكير للتعامل لتوظيف التقدم التقني لغرض النمو. أحد التحديات النظرية التي تعامل معها في النمو الاقتصادي التوصل إلى تنظير يجمع بين النمو في المدى القصير والمدى الطويل. أيضا كان له مساهمات في الاقتصاد الكلي، في الستينيات طور نموذج سولو- سوان لشرح تراكم رأس المال في النمو الاقتصادي حيث تبين دور تسخير الاستثمارات الرأسمالية لرفع الإنتاجية والنمو الاقتصادي. لم يكن دور سولو مقتصر على النواحي النظرية، بل كان نشيطا في السياسات العامة والعملية حيث قام بالاستشارات لإدارة كيندي وجونسون وكارتر، بل لا زالت مساهماته توظف في السياسات العامة إلى الآن. بعد السبعينيات بدأ يخف وهج السياسات الكينزية لكنها لم تبتعد كثيرا خاصة بعد أزمة كوفيد والأزمات المالية المتعاقبة التي كانت نتيجة لبعض جوانب هيمنة دور السياسة النقدية في إدارة الاقتصاد. لعل الفترة الحالية يغلب عليها التفاته للسياسات الكينزية ولكن دون هيمنة واضحة بسبب دور الأصول وبالتالي استمرار دور مركزي لنسب الفائدة، خاصة أن هذه الحقبة تتميز أيضا بارتفاع العجز المالية "أحد جوانب السياسات الكينزية" والدين العام كظاهرة عالمية مؤثرة.
لذلك نجد اليوم نوعا من التوازن الحذر بين دور السياسات النقدية والكينزية، وبالتالي دور نظريات وتوصيات سولو لا تزال في ميدان السياسات العامة. حصل على جائزة كلارك بيتس التي تمنح للاقتصاديين تحت 40 عاما، وكذلك حصل على جائزة نوبل في الاقتصاد مقابل مساهماته في نظريات النمو الاقتصادي. عاش حياة خاصة إذ لم يمل للظهور كثيرا، تزوج باربرا لويس في 1951 وخلف ولدا وبنتا. كان قارئا نهما ويفضل الموسيقى الكلاسيكية. توفي في لكسنقتون، أوهايو في 21 ديسمبر 2023 عن 99 عاما.