استحواذ بيتكوين على وول ستريت يحبط مناصري العملات المشفرة
ارتفع سعر بيتكوين إلى أعلى مستوى له منذ أكثر من عامين هذا الأسبوع، حيث يراهن المضاربون على أن أول صناديق سوق الأسهم المعتمدة للعملات المشفرة ستفتح الباب أمام موجة من المستثمرين الجدد.
لكن بعض المتحمسين يوضحون أن الاستحواذ على وول ستريت خيانة لرؤيتهم للعملات المشفرة كنظام مالي بديل بعيدا عن أنظار الحكومة الفضولية والتمويل السائد، ويعزز مكانة بيتكوين كمجرد وسيلة للمضاربة.
وقال كزافييه نوكاجام، مؤسس إحدى الشركات الناشئة في مجال العملات المشفرة من المملكة المتحدة، إن المبادئ التأسيسية لبيتكوين والعملة اللامركزية هي في الحقيقة السيبرانية الرعاعية التي تسير عكس التيار، وتخالف المؤسسات الكبيرة، مضيفا: "إذا أوجدت هذا البديل وكان عليك الرضوخ لما هو موجود بالفعل... فقد فشلت".
وتم التأكيد على هذا الرضوخ هذا الأسبوع من خلال الضجة حول إطلاق الصناديق المتداولة في بورصة بيتكوين، بعد أكثر من 10 أعوام من تقديم الطلبات التي رفضتها لجنة الأوراق المالية والبورصات.
وتتيح الصناديق للمستثمرين امتلاك عملة بيتكوين عبر أداة خاضعة للتنظيم ومدرجة في سوق الأوراق المالية، دون الاحتفاظ مباشرة بالعملة المشفرة نفسها. وتتم إدارتها من قبل العمالقة الراسخين في وول ستريت، بمن فيهم بلاك روك وإنفيسكو وفايديليتي - وهي بعيدة كل البعد عن البورصات غير الخاضعة للتنظيم بشكل كبير مثل بورصة إف تي إكس المنهارة وباينانس، التي غرمتها السلطات الأمريكية بمبلغ 4.3 مليار دولار الشهر الماضي بتهمة غسل الأموال وانتهاك العقوبات الدولية.
وحققت صناديق الاستثمار المتداولة، التي يتم تداولها في بورصة نيويورك وناسداك وسي بي أوه أي جلوبال ماركيتس، حجم تداول إجمالي بلغ 4.37 مليار دولار في يومها الأول فقط، وفقا لشركة سي سي داتا.
وحاولت شركة فرانكلين تمبلتون لإدارة الأصول، التأكيد على أوراق اعتمادها التي اكتسبت الشرعية أخيرا في مجال العملات المشفرة من خلال جعل عيون الأب المؤسس بنجامين فرانكلين في شعارها، وكأنها تبث أشعة ليزر حمراء على وسائل التواصل الاجتماعي - مقلدة بذلك ثيمة شائعة تشير إلى الحماس لعملة بيتكوين.
وقال جان ماري موجنيتي، الرئيس التنفيذي لشركة كوين شيرز لإدارة الأصول، إنها نهاية رحلة طويلة جدا. لقد تخرجت عملة بيتكوين بامتياز وتم الاعتراف بها كفئة أصول قابلة للاستثمار.
وقطعت عملة بيتكوين شوطا طويلا منذ اختراعها من قبل ساتوشي ناكاموتو - الذي لم يتم الكشف عن هويته الحقيقية - في عام 2008. ووصفت "ورقته البيضاء" الشهيرة نظام مدفوعات يتميز عن المؤسسات المالية الرئيسة، معتمدا بدلا من ذلك على السجل العام لتكنولوجيا البلوك تشين.
ودافع ناكاموتو وأتباعه الأوائل عن روح الثقافة المضادة لـ"السيبرانية الرعاعية"، مع تركيزها على قدرة التشفير لحماية خصوصية الفرد من الذراع الطويلة للدولة.
ومع ذلك، فقد ناضلت هذه الرؤية كي تحقق قوة جذب في العالم الحقيقي. إذ كان استخدام بيتكوين كأداة واسعة الانتشار للمدفوعات محدودا لأنها غير عملية إلى حد بعيد وتستغرق وقتا للتحقق من معاملاتها. فيما جعلت السلفادور بيتكوين عملة قانونية في عام 2021، لكن المستهلكين هناك تجنبوها غالبا.
وقد أدى مخزونها المحدود - الشيفرة التي تحكم عملة بيتكوين تسمح بإنشاء 21 مليون رمز فقط في المحصلة - إلى قيام كثيرين بالترويج لها على أنها وسيلة للتحوط ضد التضخم وانخفاض قيمة العملات الورقية السائدة. وقد تلقت هذه السردية ضربة في العام الماضي عندما ارتفع التضخم العالمي في حين انخفض سعر بيتكوين.
واليوم، نادرا ما يتم ذكر هذه الاستخدامات لبيتكوين. لكن مكانتها كأصل مضارب، وإن كانت شديدة التقلب، قد تعززت من خلال انتعاشها الأخير وتم التأكيد على ذلك من خلال إطلاق الصناديق هذا الأسبوع.
وقالت هيلاري ألين، أستاذة القانون في كلية الحقوق بالجامعة الأمريكية بواشنطن، إن الإثارة المحيطة بصناديق الاستثمار المتداولة في بيتكوين "تكشف فقط كم كانت السردية المتعلقة ببيتكوين جوفاء. لقد كان بإمكان أي شخص يعرف أي شيء عن الاقتصاد أو التمويل أن يخبرك منذ اليوم الأول أن بيتكوين لن تصلح أبدا كنظام للدفع".
وأضافت ألين: "لقد دخل الناس في هذا من أجل تحقيق ربح سريع وزيادة السعر"، في إشارة إلى التفاخر الشائع بين محبي العملات المشفرة بمكاسبهم في السوق.
ويبدو أن الهيئات التنظيمية في الولايات المتحدة، التي تشعر بالقلق من الفضائح التي ابتلي بها عالم العملات المشفرة في الأعوام الأخيرة، تميل إلى الموافقة على ذلك.
وعلى الرغم من أن هيئة الأوراق المالية والبورصات وافقت على صناديق الاستثمار المتداولة، إلا أن رئيسها غاري جينسلر كان حريصا على التأكيد على أن الوكالة تم دفعها لاتخاذ قرارها من خلال حكم محكمة الاستئناف الفيدرالية الأمريكية في الصيف الماضي. حيث قال: "نحن لم نوافق على عملة بيتكوين".
وأشار إلى أن الأصول الأساسية في صناديق الاستثمار المتداولة الأخرى، مثل المعادن، لها استخدامات استهلاكية وصناعية. "إن عملة بيتكوين هي في المقام الأول أصول مضاربة ومتقلبة تستخدم أيضا في الأنشطة غير المشروعة التي تشمل برامج الفدية وغسل الأموال والتهرب من العقوبات وتمويل الإرهاب".
وحذرت كارولين كرينشو، الزميلة المفوضة في هيئة الأوراق المالية والبورصات، التي عارضت الموافقة، من أن الأسواق الفورية تظل مفتوحة للاحتيال والتلاعب.
ومع ذلك، يرى البعض في الصناعة اعترافا في الآونة الأخيرة بعملة بيتكوين، التي ارتفع سعرها بنسبة 1300 في المائة تقريبا على مدى الأعوام الخمسة الماضية، متجاوزة الأصول الأخرى بكثير.
ويقول أندرو بوند، كبير محللي الأبحاث في شركة روزنبلات سيكيوريتيز: "أعتقد أن كثيرا من الرؤية التحررية كانت عمليات احتيال وعملات ليس لها مصداقية"، وذلك في إشارة منه إلى العملات المشفرة الأصغر حجما التي في الأغلب ما يتم إطلاقها في سبيل تحقيق ربح سريع لمؤسسيها. "إذا نظرت إلى حيث تم اتخاذ إجراء تنظيمي، وحيث كانت توجد مشكلات في مجال العملات المشفرة، فستجد أنها لم تكن عملة بيتكوين".
هذا ويأمل المدافعون عن العملات المشفرة أن تعزز صناديق الاستثمار المتداولة سعر بيتكوين لأن المصدرين سيطلب منهم شراء الرمز نيابة عن عملائهم. وسيتم الاحتفاظ بالعملات المعدنية لدى الوصي، وسيقوم المصدر بإنشاء واسترداد الأسهم لتمثيل حصة المالكين في المجمع.
وقال جاد كومير، وهو مؤسس شركة ميلانيون كابيتال للاستثمار في الأصول الرقمية، واشترى أول عملة بيتكوين لنفسه في عام 2013، إنه "توجد أمامك كل هذه العقبات التكنولوجية. لقد كنت قلقا حقا بشأن فقدان هاتفي وأن أفقد عملة بيتكوين الخاصة بي إلى الأبد نتيجة لذلك. أما الآن، فأنت في أيدي أكبر اللاعبين في مجال التمويل مثل بلاك روك وفايديليتي، وأنت تعلم أنهم سيتخذون جميع التدابير اللازمة لحماية أصول الناس".
وقد يكون التأثير الأكبر مع ذلك في بورصات العملات المشفرة التي كانت الخيار الوحيد للذين يرغبون في الاحتفاظ ببيتكوين على المدى الطويل.
وقالت أليسون جيمينيز، رئيسة شركة دايناميك سيكيوريتيز أناليتيكس، وهي شركة استشارية في قضايا الأوراق المالية: "ستكون هناك الآن سوق متشعبة للعملات المشفرة. أولئك الذين ما زالوا يرغبون في تداول العملات المشفرة سيستمرون في التوجه إلى هذه البورصات. وأولئك الذين يرغبون في الاحتفاظ بعملة بيتكوين كاستثمار سيأخذون طريق صناديق الاستثمار المتداولة الأبسط والأكثر مباشرة".
وبالنسبة للبعض، فإن إدخال أطراف ثالثة خاضعة للتنظيم مثل الأوصياء والبورصات ومدراء الأصول وصناع السوق هو مثال على شعار آخر للثقافة المضادة التي أصبحت سلعة من قبل التمويل السائد.
وأشار جيمس أنجل، الأستاذ المساعد في جامعة جورج تاون، إلى أن الكحول والقنب كانا محظورين في السابق، لكنهما أصبحا منذ ذلك الحين أصولا متداولة.
وقال: "بالطريقة نفسها، كان ينظر إلى عملة بيتكوين على أنها غير قانونية خارج مساحة الاستثمارات المحترمة، وقد أصبحت الآن تأخذ مكانها في نادي المؤسسات المالية التقليدية. إن وول ستريت جيدة فعلا في بيع الأشياء، وسيبيعون أي شيء يمكنهم جني الأموال منه".