حوجن .. الرعب اللطيف
عندما وصلتني دعوة لحضور افتتاح فيلم "حوجن" السعودي في صالة فوكس سينما في واجهة الرياض، تأملت برهة وبدأت مخيلتي تغوص في المجهول، تارة في محتوى الفيلم وتارة أخرى في التمثيل والأداء والإخراج وما شابه من تقنيات تميز الفن السابع، بقيت أياما أنتظر بشوق لحظة المشاهدة، خاصة بعد أن قرأت عديدا من الأخبار الإيجابية عن الفيلم، أبرزها اختياره ليصبح فيلم افتتاح الدورة الثالثة من مهرجان البحر الأحمر السينمائي في جدة، ما زاد من شوقي لحضوره.
أيام قليلة وبدأت أرى صناع الفيلم على السجادة الحمراء، يتمايلون ويدلون بأحاديث هنا وهناك، ويقدمون للحضور الإعلامي معلومات تفصيلية، ثم دقت ساعة الصفر، ها هو الفنان براء عالم بشخصية حوجن الجني يظهر على الشاشة العملاقة، وهنا بدأت الجرأة في الطرح، حيث إن موضوعات الإنس والجن كانت منذ وقت ليس بعيدا من الموضوعات المستبعدة في السينما السعودية، ولعل الكاتب إبراهيم عباس قد استشف المستقبل المشرق للسينما السعودية فطرح منذ نحو عشرة أعوام هذه الفكرة في رواية حوجن، ووضعها على الرف إلى أن تلقفها المخرج العراقي ياسر الياسري وحولها إلى فيلم سينمائي حاز الإعجاب تماما كما حصل على النقد.
جني لطيف
وفي عالم من الفانتازيا، يعيش جني لطيف في مدينة جدة وهو حوجن، يبلغ من العمر 90 عاما، وفي أحد الأيام يكتشف حقيقة نسبه الملكي، لتبدأ رحلته لاستعادة حقه الشرعي، كما يحارب أيضا قوى الشر في سبيل الحفاظ على التوازن بين عالمه وعالم البشر، وتستمر أحداث الفيلم بمغامرات الجني حوجن، الذي يتعرف على طالبة بكلية الطب تدعى سوسن، التي تجسد شخصيتها الفنانة نور الخضراء، لتنشأ بينهما علاقة رومانسية بشكل غير متوقع، لكنها تنتهي متوافقة مع التوقعات السينمائية المعتادة.
تاريخ الممثلين
ويمتلك النجم السعودي براء العالم شعبية كبيرة بين الشباب في السعودية، لكونه أحد مشاهير اليوتيوب، الذين حققوا نجاحا واضحا في الأعوام الماضية، لذلك اكتسب ثقة الجمهور في اختياراته، حيث جاءت أول بطولة سينمائية له من خلال فيلم "شمس المعارف"، الذي يعد باكورة الأفلام السعودية التي تركت تأثيرا ملهما لدى المشاهدين ليس فقط في الخليج، بل على مستوى العالم العربي، وقد حقق كذلك الفيلم حضورا مميزا على مستوى الإيرادات وكذلك عند عرضه عبر شبكة نتفليكس، لذلك اسم براء العالم سيجذب قطاعا كبيرا من محبيه لمشاهدة العمل، أما البطلة سوسن التي تؤدي دورها الممثلة نور الخضراء، فهي التي حصدت جائزة النجمة الشابة الصاعدة في مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي 2023، وهي جائزة مخصصة لدعم الموهوبين عن جيل الشباب في قطاع السينما، وفيما يعود للمخرج، فلديه سيرة مهنية غنية، فهو يمتلك عددا من الأعمال السينمائية ركزت على عالم الخيال والرعب ومن أهمها الفيلم المصري "122" الذي حقق نجاحا كبيرا وقت عرضه عام 2019، لذلك يعد الطاقم التمثيلي المذكور إلى جانب العنود سعود، محسن منصور، نايف الظفيري، منصور آش ركيزة أساسية لنجاح الفيلم.
بين الرواية والفيلم
فيلم "حوجن" مأخوذ عن رواية صدرت عام 2013، تحمل الاسم نفسه للكاتب إبراهيم عباس، وقد نال العمل الأدبي بعد طرحه نجاحا كبيرا في المملكة العربية السعودية، وبات محل مناقشات مستمرة من قبل الشباب السعودي الذي ارتبط بأبطال القصة بوضوح، ما حمس قطاعا كبيرا منهم لشرائها لتصبح من أكثر الأعمال الروائية مبيعا في السعودية وأيضا في الخليج العربي، حيث وزع منها أكثر من 250 ألف نسخة باللغة العربية، وتم تحميل نسختها الإلكترونية أكثر من أربعة ملايين مرة، وترجمتها إلى أربع لغات حتى الآن، وهذا يعود لفكرة الرواية وانتمائها للخيال العلمي إحدى الفئات المهمة والقليلة من ناحية الإصدارات الأدبية، لذلك كان طرحها محط إعجاب ومصدر انجذاب فئة من الشباب يتوقون لرؤية تجسيد أحداث الرواية على الشاشة.
أما المقاربة بينها وبين الفيلم، فيشوبها كثير من الجدل، حيث لاحظت بعد قراءة الرواية اختلافا في الأحداث، حتى إن الخاتمة ليست كما في الرواية، فصناع الفيلم اختاروا النهاية التقليدية السعيدة، بينما في الرواية كانت أكثر تشويقا ومتانة في الحبكة، فوقعوا في أزمة الانتقال من صفحات الرواية إلى شاشة السينما، في حين يخلص الفيلم كما الرواية إلى أن الفضول والبحث عن الآخر مهما كان بعيد المنال أو مخيفا قد ينتج عنهما اكتشاف للذات.
إخراج متوسط واستهلاكي
من المؤكد أن التجارب الإخراجية في السينما ستلقى التشجيع، خاصة عندما تتمحور حول نوعية صعبة من الأفلام وجديدة على السينما العربية، إن في أحداثها الغريبة أو مواقع وتقنيات التصوير وما يتطلب ذلك من أعمال جرافيكس وتلوين، كل هذه العناصر كانت تحتاج لمخرج عريق مثل ياسر الياسري، المعروف بولعه بالتقنيات الحديثة في الإنتاج السينمائي، ومعالجة الموضوعات الشيقة غير المعتادة، كما ظهر في فيلمه "122" أول فيلم عربي بتقنية 4DX، لذلك يمكن القول إنه خرج بتجربة تستحق الاحترام رغم وجود الهفوات مثل ضعف مشاهد الجرافيكس وتنفيذ المعارك، وظهور قدرات الجن واختفائها دون مبرر، كأن نرى الجني يسير في الطريق وفجأة يطير في الهواء ليعبر سور المنزل، إضافة إلى اللقطات البطيئة مع الموسيقى غير المطابقة للمشهد، كذلك لقطة الممثلة العنود سعود كامرأة خارقة تشابه إلى حد قريب cat women في أفلام دي سي، وblack widow في أفلام مارفل، كذلك لقطات للبطل براء في فيلم سبايدر مان، وبعض المشاهد من walking dead، وكذلك مشاهد من فيلم فلاش، لكن رغم التقليد إلا أن المحاولة لإخراج فيلم فانتزي خيال علمي سعودي لا بأس بها.
تعاون مثمر بين شركات الإنتاج
يعد حوجن واحدا من أكبر المشروعات الفنية حتى الآن التي تنضوي تحت مظلة الشراكة الإنتاجية التي أبرمت في 2019 بين شركة إيمجنيشن أبوظبي واستوديوهات إم بي سي وفوكس سينما، وهي ثلاث من أهم الشركات الإقليمية الناشطة في قطاع صناعة المحتوى الفني والترفيهي. ويتمثل هدف هذا التعاون في دعم عديد من المشروعات السينمائية والتلفزيونية على مدار العام، من المرحلة الأولية حتى مرحلة التوزيع والنشر، لمساندة قطاع السينما والتلفزيون والترفيه المتنامي في المنطقة.
يذكر أنه قبل عرض الفيلم، تم توزيع نسخة من الرواية طبعت خصيصا للحضور، استهلها الكاتب بإهداء لعائلته وشكر لكل من سيدخل العوالم سواء كان قارئا أو مشاهدا، أو مقتنيا، أو مخرجا، أو منتجا أو ممثلا أو مبدعا، وأضاف: يبقى الشكر الأكبر لمن جدف معي على سفينة الأحلام والمغامرات وحملت سواعده ندبات الإصابات وبقايا الشظايا، وعلى رأسهم مينة (زوجته)، أروع دافع، وأشرس مدافع. وياسر بهجت الأخ الصديق الشريك في الخيال والجنون والأحلام والمعارك... أما أنت يا حوجن يا من بدأت كل هذا، فشكرك يستحق أن يسطر في كتاب مستقل ملهم: "شكرا حوجن".