ما متطلبات الاقتصاد والأمن العالميين؟ «2 من 3»
كان قصف إسرائيل لغزة سببا في زعزعة استقرار منطقة الشرق الأوسط بالكامل، خاصة الدول المجاورة التي تعتمد على السياحة مثل مصر والأردن ولبنان. وفي الوقت ذاته، الأطراف التي تهاجم سفن الشحن في البحر الأحمر، ما دفع شركات الشحن الدولية إلى تعليق أو تعديل طرقها، وبالتالي إعاقة التجارة بشكل مباشر عبر قناة السويس، وهي شريان رئيس للتجارة العالمية.
نحن نشهد الآن الآثار المزعزعة للاستقرار، الناجمة عن التهديدات الطبيعية أيضا. فقد دفعت جائحة كوفيد - 19 تحولا هائلا بعيدا عن سلاسل التوريد القائمة على "التوقيت المناسب" والفعالة من حيث التكلفة، إلى نموذج "في حال إذا طرأت الحاجة" يهدف إلى تعزيز المرونة أثناء الارتباكات. في وقت أقرب إلى الزمن الحاضر، تسببت موجة الجفاف الناجمة عن ظاهرة النينيو في تقليص قدرة قناة بنما، وهي شريان رئيس آخر للتجارة العالمية. وسواء كان ذلك لأسباب جيوسياسية أو بيئية، فإن تغيير المسار حول هذه الاختناقات الجديدة سيؤدي حتما إلى زيادة تكاليف الشحن، وتأخير التسليم، وتعطيل سلاسل التوريد العالمية، وإيجاد ضغوط تضخمية.
بالانتقال إلى البعد الثاني ـ العواقب التي تخلفها العلاقات الاقتصادية العالمية على الأمن القومي ـ من الواضح أن الدول ستكون أكثر ميلا إلى تبني سياسات أمنية جريئة أو عدوانية، إذا كانت تمتلك بالفعل شبكة من العلاقات الاقتصادية القادرة على اجتذاب الدعم أو إخماد المعارضة. الصين، على سبيل المثال، تعتمد على حمل دول غير مستقلة اقتصاديا ضمن مبادرة الحزام والطريق على قبول نفوذها السياسي ومحاولاتها لفرض هيمنتها في الأمد الأبعد. كما تعتمد دول عديدة الآن على الصين لتأمين مكونات سلاسل التوريد الحرجة المرتبطة بالدفاع، وهو ما يجعلها عرضة للخطر على المستويين الدبلوماسي والعسكري.
على نطاق أوسع، تستخدم الترابطية العالمية، في هيئة الشبكات الاقتصادية، ومرافق البنية الأساسية كسلاح على نحو متزايد لتحقيق أهداف جيوسياسية. وكما تظهر الحرب التي تشنها روسيا على أوكرانيا، فإن العلاقات الاقتصادية من الممكن أن توجد تبعيات ترفع تكلفة معارضة السياسات الأمنية الحازمة "أو حتى العدوان الصريح". ويخلف التهديد الضمني بانقطاع الإمدادات تأثيرا قهريا ـ في بعض الأحيان قد يكون هذا التأثير خفيا خبيثا ـ في أهداف الأمن الوطني لأي بلد. ونظرا لتأثيرات الشبكة التي يفرضها نظام الدولار، تحتفظ الولايات المتحدة بقدر من النفوذ يسمح لها بفرض النظام الدولي، من خلال فرض عقوبات قسرية ضد الدول التي تنتهك المعايير الدولية.