النقد والإطراء واتخاذ القرار
تحدثنا في السابق عن فنون إيصال المعني بالمبالغة والإطراء، وكيف أن البعض لا يجيد ذلك، فيبالغ في استخدام المبالغة، أو يتقشف حد الجفاف. يسعى القادة في أماكن العمل إلى إيجاد بيئة عمل إيجابية من خلال الاحتفال بالنجاحات وتقدير الأداء وتعزيز ثقافة التفاؤل، وفي هذه السياقات يستخدم القادة فنون وممارسات المبالغة المختلفة، ولهذه الممارسات تأثيرات مختلفة على بيئة العمل والأداء. عندما يتعارض كل من التفاؤل المعبر عنه والنقد الموضوعي، يؤدي ذلك إلى نتائج ضارة تعوق النمو والابتكار والاندماج الوظيفي للموظفين.
في بيئة يهيمن فيها التفاؤل الزائد، قد يشعر الموظفون بالتردد في التعبير عن آراء مخالفة أو تقديم انتقادات بناءة. هذا النقص في الأمان النفسي يعوق الحوار المفتوح ويبطئ الابتكار ويسد أبواب فرص التحسين. على سبيل المثال، قد يتردد الموظفون في التعبير عن مخاوفهم بشأن الأخطاء لأن الأجواء السائدة احتفالية أو لأن اللغة العامة مفعمة بالتقدير والابتهاج، ما يؤدي إلى فوات فرص النمو والتطوير.
عندما يؤكد القادة باستمرار على الجوانب الإيجابية والإنجازات، يمكن أن يتسلل التحيز التأكيدي إلى المنظمة. هذا التحيز يعزز المعتقدات المسبقة ويمنع الأفراد من التعرف على المجالات، التي تحتاج إلى تحسين. على سبيل المثال، إذا أبرزت الشركة باستمرار نجاحات المبيعات دون الاعتراف بمشكلات رضا العملاء المتراكمة، فقد تفشل في تحديد ومعالجة أسباب تراجع حصة السوق. وهذا أمر سائد في الشركات التي تكون في مراحل النمو، وفي الشركات التي تخدع أنفسها وتعتقد بأنها تعيش أفضل أيامها.
يساهم القادة الذين يبالغون باستمرار في أداء المنظمة ونجاحها في تعزيز الرضا الذاتي المبالغ فيه. يمكن أن يؤدي هذا إلى فجوة خطيرة بين الأداء المدرك والفعلي، ما يجعل من الصعب تحديد ومعالجة نقاط الضعف. قد تكون الشركة التي تتفاخر باستمرار بخدمتها العملاء الممتازة غير مدركة لشكاوى العملاء وتراجع مؤشرات الرضا، ما يؤدي إلى الضرر بالسمعة ونزوح العملاء. هذا مثال على أحد نماذج "الوهم الذاتي" المنتشرة على مستوى المنظمات، والتي تعززها سلوكيات أخرى مرتبطة بحوافز الأداء وثقافة المكان.
في البيئات التي يتم فيها تثبيط أو تجاهل التغذية الراجعة النقدية، ينشأ غالبا نقص في المساءلة الفردية والجماعية. دون مناقشات مفتوحة حول النقاط الضعيفة، يظهر خطر عدم معالجة المشكلات بشكل مناسب وعدم تحمل المسؤولية عنها. اجترار هذا السلوك كعادة وسمة عامة يتحول إلى مرض مستشر في المكان يصعب معالجته بالأساليب المرنة واللطيفة. من أوضح أمثلة ذلك، قيام المدير بتوجيه المديح باستمرار للموظف على الرغم من الأداء السيئ، يرسل إشارة بأن المساءلة ليست أمرا مهما، ما يؤدي إلى تراجع أداء الفريق بشكل عام.
عندما يتم التعود على تثبيط الآراء المخالفة، ويتم تفضيل التوافق على التحليل النقدي تصبح النتيجة قرارات سيئة. لن يتم وقتها النظر إلى وجهات النظر البديلة والمخاطر المحتملة بشكل واع وكاف. وهنا ينقلب السحر على الساحر لأن هذا يعد قتلا للانفتاح والابتكار في بيئة تسعى لاستخدام الإيجابية لبث مزيد من الانفتاح والابتكار. وهنا ينشط التفكير الجماعي السلبي ويتفق الفريق بشكل مجمع على خطة عمل دون دراسة جيدة للعواقب السلبية أو البحث عن وجهات نظر متنوعة، ما يؤدي إلى ارتكاب أخطاء مكلفة وفوات الفرص. الورطة الدائمة هنا أن هذا الأسلوب يصنع غشاوة حتى على التعلم من الأخطاء، فالخطأ لا يدرس بطريقة موضوعية ويتم التعامل معه بإيجابية ساذجة تجعل الممارسة مستمرة غير مكتشفة.
من جانب آخر، عندما يشعر الموظفون بأن أصواتهم لا تسمع أو أن هناك نقصا في فرص النمو والتحسين، يزداد الاستياء الخفي. وهذا يترجم على المدى الطويل بزيادة التسرب الوظيفي وفقدان المواهب القيمة. إذا شعر الموظفون باليأس من تقديم الملاحظات المختلفة أو اقتراح تحسينات في العمليات، يفقدون اندماجهم ويبحثون عن فرص في أماكن أخرى.
على الرغم من أهمية تعزيز بيئة العمل الإيجابية، يجب على المنظمة أن تكون على علم بالمشكلات المحتملة التي تنشأ عندما يختل التوازن بين التفاؤل والنقد الموضوعي. من خلال تعزيز الأمان النفسي وتعزيز المساءلة وتشجيع الاتصال المفتوح دون إخلال بممارسة الإيجابية.