بث الموسيقى .. نموذج جديد أكثر كفاءة
نمت صناعة الموسيقى، بكل ميزاتها وشخصياتها الغريبة، بعض الشيء في الأعوام الأخيرة. وأدرجت أكبر شركاتها في البورصات العامة. بدأ أكبر المستثمرين المؤسسيين في العالم العمل مع المسؤولين التنفيذيين في مجال الموسيقى، وكانت النتائج متباينة.
لكن لا تزال الطريقة التي تتدفق بها الأموال في مجال الموسيقى مبهمة. تدفع "سبوتيفاي" وخدمات البث الأخرى "للصناعة" مليارات الدولارات في العام في شكل إتاوات. لكن أين ينتهي الأمر بهذا المال، هو أمر أبقي سرا، لأنها تتلخص في العقود الفردية بين شركات التسجيل والموسيقيين والمديرين وأصحاب المصلحة الآخرين. في هذا السياق، تعد مجموعة البيانات الضخمة الجديدة من "لومينيت"، المجموعة التي تصنف قوائم بيلبورد القوية، مفيدة للحصول على أدلة عن المال خلف الموسيقى.
تقدم "لومينيت" بعض الإحصاءات الممتعة عن هيمنة "تايلور سويفت" الفردية على الصناعة. مثلت أغاني "سويفت" واحدا من بين كل 78 استماعا في الولايات المتحدة العام الماضي. تصل مبيعاتها الموسيقية إلى ما يعادل مبيعات شركة تسجيلات معقولة الحجم، حيث تشغل ما يقارب 2 في المائة من استهلاك الألبومات في المجال بأكمله. "أمضى الأمريكيون العام الماضي وقتا أكبر يستمعون إلى سويفت من سماعهم لصنفي الموسيقى الكلاسيكية والجاز كلها". فلا عجب إذا أن الشخصيات البارزة في هذا المجال، مثل لوسيان جرينج من "يونيفيرسال ميوزيك"، قد جعلوا من أهم أولوياتهم هذا العام الاستفادة ماليا من "معجبين" أكبر النجوم.
رغم ذلك، قد يكون أكثر إفصاح مذهل هو مدى قلة الوقت الذي يقضيه الناس في سماع الأغلبية العظمى من الأغاني المتاحة على "سبوتيفاي". في الحقيقة، بالكاد يستمع الناس لمعظم الأغاني الموجودة في قوائمه على الإطلاق. من بين إجمالي 184 مليون مقطع صوتي متاح، لم تتلق أكثر من 150 مليون أغنية إلا ألف استماع أو أقل في 2023، وفقا لـ"لومينيت". وتلقت نحو 80 مليون أغنية عشرة استماعات أو أقل. ومن بين تلك المجموعة، لم يتلق أكثر من النصف - نحو 46 مليون أغنية - أي استماع.
يعد هذا مهما لأن أكبر الشركات في الصناعة في خضم حملة لإعادة تشكيل الطريقة التي تتدفق بها الأموال في البث. بقيادة جرينج، يتم الضغط على مثل هذه الخدمات للتخلص مما وصفه "بتجار القمامة"، الفوضى التي ملأت المنصة. إن هذه أول الخطوات الكبرى لإعادة تشكيل نموذج بث الموسيقى الذي كان قائما منذ أكثر من عقد.
كان أحد أكثر العناصر المثيرة للجدل هو "إلغاء القيمة المالية" - بعبارة أخرى، التوقف عن الدفع - على الأغاني التي لا يتم الاستماع إليها كثيرا. بدا أن "سبوتيفاي" تتماشى مع رغبات جرينج في نوفمبر. أكدت الشركة أنها ستتوقف عن دفع الإتاوات على الأغاني التي تلقت أقل من ألف استماع في العام الواحد. أثارت هذه الخطوة ردود فعل سلبية سريعا. انتقدت أميليا فليتشر، أستاذ في المنافسة وموسيقية مستقلة، التغييرات ووصفتها بأنها تمييزية واستغلالية.
من المهم الإشارة إلى أن "سبوتيفاي"، التي تمر بحركة خفض تكاليف جذرية، لن توفر أي مال من هذه التغييرات. تدفع المجموعة نسبة من مبيعاتها إلى أصحاب الحقوق الموسيقية، التي تقسم بعد ذلك بين الفنانين حسب حصتهم من إجمالي الاستماعات. تدور هذه التغييرات حول مقدار الأموال التي يحصل عليها كل فنان من هذا الوعاء الثابت.
ستكون التبعات المالية أكبر بالنسبة إلى الشركات الأكبر، التي ستتوقع مكاسب مفاجئة مع ذهاب مزيد من المال إلى مجموعة مختارة من الموسيقيين الممتازين. يأتي هذا بعد أن حذرت "يونيفيرسال ميوزيك" في أكتوبر من أنها ستقدم "برنامج توفير التكاليف" في 2024. من المقرر أن تبدأ عمليات التسريح في الأسابيع القليلة المقبلة، مع توقع إلغاء بضع مئات من الوظائف على مستوى العالم، وفقا لأشخاص مطلعين على الأمر.
في شركة فيها أكثر من عشرة آلاف موظف، لا يعد هذا انتقاء دراميا على وجه الخصوص. لكنه يعد رمزيا بالنسبة إلى الصناعة التي شهدت عودة مزدهرة في الأعوام الأخيرة، مسجلة نموا في الإيرادات مكونا من رقمين.
تقدر "سبوتيفاي" أن هذه التغييرات ستعيد تحويل مليار دولار من الإتاوات إلى الفنانين "الناشئين والمحترفين" خلال الأعوام الخمسة المقبلة. لكن حدسي يخبرني بأن هذا لا يتعلق كثيرا بـ"سبوتيفاي" بقدر ما يدور حول محاولة شركات الموسيقى الكبرى استباق مستقبل الذكاء الاصطناعي. فلا تريد بالتأكيد تكرار الأخطاء التي ارتكبت في حقبة نابستر "خدمة مشاركة المقاطع الصوتية".
إذا انتشرت الأدوات التي تنشئ الأغاني باستخدام الذكاء الاصطناعي بين المعجبين والناس العاديين، فسيأتينا بكل سهولة مستقبل تضاف فيه آلاف المقاطع الصوتية إلى نسخ مصنوعة بالذكاء الاصطناعي من المغني دريك إلى "سبوتيفاي"، وستتلقى أربعة استماعات ثم ينسى أمرها مباشرة. مع وجود هذه القواعد بالفعل، أزالت صناعة الموسيقى مثل هذه المقاطع الصوتية بشكل استباقي من المعادلة المالية.