مخاطر جيوسياسية تعكر صفو التفاؤل الاقتصادي
أسواق مالية متحمسة. نمو اقتصادي أفضل من المتوقع. تزايد التفاؤل بأن أسوأ ارتفاع تضخمي منذ عقود قد تم التغلب عليه أخيرا.
كانت الخلفية الاقتصادية لاجتماعات دافوس هذا الأسبوع واعدة أكثر بكثير مما توقعه كثيرون قبل عام. لكن إذا كانت نبرة المناقشات في المنتدى الاقتصادي العالمي ستؤخذ في الحسبان، فلا أحد على استعداد للاحتفال.
حتى لو كانت الاقتصادات الرائدة التي تقودها الولايات المتحدة تتجه نحو "الهبوط الناعم" في أعقاب الزيادات القاسية في أسعار الفائدة، فإن هذه القصة تتلاشى بسبب القلق المتزايد بشأن المخاطر الجيوسياسية التي لا تعد ولا تحصى والتي تلوح في الأفق في 2024 وتلقي بضبابية من عدم اليقين على صنع السياسات.
فالحروب مستعرة في أوروبا والشرق الأوسط، حيث أدى الصراع الأخير إلى تحويل حركة الشحن على نطاق واسع حول جنوب إفريقيا، ما أدى إلى ارتفاع تكاليف مدخلات الشركات وربما التضخم.
وفي الوقت نفسه، تعقد ثمانية من البلدان العشرة الأكثر اكتظاظا بالسكان في العالم انتخابات هذا العام، ما ينذر بفترة من التقلبات السياسية الحادة.
ويمكن القول إن الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر هي الأكثر أهمية من بين هذه الأحداث. فقد أدى فوز دونالد ترمب في المؤتمرات الحزبية في ولاية أيوا في اليوم الأول من المنتدى الاقتصادي العالمي إلى إحياء المخاوف من إمكانية استعادة البيت الأبيض من قبل رئيس لا يبالي كثيرا بالتحالفات الأمريكية التقليدية أو النظام الدولي القائم على القواعد، الذي يتعرض للتهديد بالفعل.
قال إسوار براساد، الأستاذ في جامعة كورنيل والمسؤول الكبير السابق في صندوق النقد الدولي "من المفترض أن يتحسن المزاج الاقتصادي في الوقت الحالي، لأنه إذا نظرت حول العالم، يبدو أن أداء الولايات المتحدة أفضل من المتوقع، ويبدو أن الصين تستقر". وأضاف أنه بدلا من ذلك، "يبدو أن هناك شعورا سائدا بكارثة يستقر على الجبهة الجيوسياسية".
يعتبر هذا القلق مفاجئا في بعض النواحي، نظرا لأن الاقتصاد العالمي تمكن من الصمود في وجه صدمة التضخم بشكل أفضل بكثير مما توقعه كثيرون، عندما اجتمع المندوبون آخر مرة في الجبال السويسرية.
في أحدث توقعاته، على سبيل المثال، توقع صندوق النقد الدولي نموا 2.1 في المائة للولايات المتحدة في 2023، أي أكثر من ضعف المعدل الذي كان يتوقعه في العام السابق. كما رفع تقديراته للنمو العالمي لـ2023 إلى 3 في المائة، وتوقع وتيرة توسع مشابهة في 2024.
قالت جيتا جوبيناث، النائبة الأولى للمدير العام لصندوق النقد الدولي في جلسة يوم الثلاثاء، "إن هناك "قدرا كبيرا من المرونة في الاقتصاد رغم ارتفاع أسعار الفائدة التي شهدناها"، مشيرة إلى أنه قد تم بالفعل الشعور بالآثار المترتبة على 75 في المائة من الزيادات في أسعار الفائدة في الولايات المتحدة.
وأصر فرانسوا فيليروي دي جالهاو، محافظ البنك المركزي الفرنسي، على أن مهمة هزيمة التضخم لم تكتمل. لكنه أضاف "لقد كان تشديد أسعار الفائدة ناجحا للغاية حتى الآن، وأكثر نجاحا مما توقعنا في دافوس قبل عام. ما يمكننا رؤيته على جانبي الأطلسي هو ما يشبه الهبوط الناعم".
ومع ذلك، فإن المزاج السائد بين المندوبين ركز على التأثير الذي قد تخلفه كثير من المخاطر الجيوسياسية على السياسة الاقتصادية.
كانت أورسولا فون دير لاين رئيسة المفوضية الأوروبية، بعيدة كل البعد، على غير المعتاد في وضع لهجة متشائمة، قائلة "إن العالم دخل عصر الصراع والمواجهة، والتشرذم والخوف"، وأضافت "لا شك أننا نواجه أكبر خطر على النظام العالمي في فترة ما بعد الحرب".
ظلت الحرب في أوكرانيا تتصدر أذهان كثيرين، حيث حذر الرئيس فولوديمير زيلينسكي المندوبين من أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لديه طموحات للغزو تمتد إلى ما هو أبعد من أوكرانيا.
وقد ترافق ذلك مع مناقشات حول احتمال تصاعد الصراع بين إسرائيل وحماس في غزة بشكل خطير، ما قد يؤدي إلى صدمات واضطرابات جديدة في الأسعار.
قال بيت سايمون، كبير المسؤولين التجاريين للخدمات اللوجستية في موانئ دي بي وورلد، إحدى أكبر مشغلي محطات الحاويات "أصبح موضوع (الاضطرابات الجيوسياسية) برمته معقدا حقا"، وقد حذر من أن ارتفاع تكاليف الشحن إلى جانب احتمال ارتفاع أسعار النفط قد يؤدي إلى زيادة التضخم.
وأضاف سايمون أنه "بينما تعد أزمة البحر الأحمر كانت الأزمة الأخيرة حاليا، فإن مناطق أخرى من العالم تخاطر برؤية اضطرابات تجارية بسبب التوترات، بما في ذلك في بحر الصين الجنوبي وسط التوترات بشأن تايوان". كان تأثير تغير المناخ واضحا في قناة بنما، وهي نقطة تفتيش تجارية أخرى، حيث تعطلت حركة المرور بسبب الجفاف الشديد.
وإلى جانب هذا، هناك التحول المستمر بعيدا عن فترة ما بعد الحرب الطويلة التي اتسمت بالعولمة المتزايدة بشكل مطرد، حيث تعطي البلدان الأولوية للأمن القومي والقدرة على الصمود على الكفاءة الاقتصادية، وتنهار الأساليب التقليدية للتعاون.
أظهر استطلاع شمل 30 من كبار الاقتصاديين أجراه المنتدى الاقتصادي العالمي قبل الاجتماعات أن نحو 70 في المائة يخشون من تسارع وتيرة التفكك الجيواقتصادي هذا العام.
وفي كلمته أمام الاجتماعات، حذر لي تشيانج رئيس الوزراء الصيني مما وصفه "بعجز الثقة" بين الدول، مضيفا "إذا تم وضع القواعد من قبل بلد معين أو عدد قليل من البلدان، فعلينا أن نضع علامات الاقتباس على التعددية لأنها ستظل أحادية بطبيعتها".
نظرا لتعهد ترمب بمضاعفة سياساته "أمريكا أولا"، بما في ذلك فرض رسوم جمركية محتملة بنسبة 10 في المائة وسياسة عدوانية للانفصال عن الصين، فإن الأداء القوي للرئيس السابق في ولاية أيوا أدى إلى تعميق المخاوف بشأن تفاقم المواجهة بين أكبر اقتصادين في العالم.
قال براساد "إن العالم ينظر إلى الانتخابات الأمريكية في نوفمبر بتخوف كبير، نظرا إلى أن النتيجة قد تؤدي إلى تفاقم الانقسامات الجيوسياسية، ما يثبط الثقة وبالتالي الاستثمار في الأعمال التجارية. هناك شعور بأن النظام متعدد الأطراف ينهار (...) ما قد يؤدي إلى مزيد من الصراع والتقلبات".