رغم ارتفاع الفائدة .. المستثمرون يغامرون بضخ أموال في صناديق السندات والأسهم عالية الجودة
ضخ مستثمرو الصناديق المتداولة في البورصة مبالغ قياسية في أسهم الدخل الثابت والأسهم "عالية الجودة" العام الماضي، حيث قفزت الرغبة في المخاطرة في الأشهر الأخيرة من عام 2023.
ومع ذلك، شهدت صناديق السندات المرتبطة بالتضخم وصناديق الاستثمار المتداولة للسلع الأساسية تدفقات خارجة قياسية، حيث أدى انخفاض التضخم العالمي إلى تقليص رغبة المستثمرين في التحوط ضد تأثيره المدمر في أسعار الأصول.
وبشكل عام، سجلت صناعة صناديق الاستثمار المتداولة العالمية تدفقات واردة صافية بقيمة 965 مليار دولار العام الماضي، وفقا لبيانات من شركة بلاك روك، ارتفاعا من 867 مليار دولار في عام 2022. وكان هذا ثاني أعلى رقم مسجل، بعد مبلغ 1.3 تريليون دولار في عام 2021.
وقال كريم شديد، رئيس استراتيجية الاستثمار في "آي شير" وهي الذراع التابعة لشركة بلاك روك في منطقة أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا "من المثير للاهتمام أن نرى مقارنتها بعام 2021، على الرغم من أننا شهدنا عديدا من الزيادات في أسعار الفائدة"، وجاء ذلك في إشارة منه إلى حقيقة أن السياسة النقدية الأكثر تشددا تميل إلى التأثير في أسعار الأسهم والسندات.
وعلى عكس عامي 2021 و2022، عندما هيمنت صناديق الأسهم، كانت تدفقات صناديق الاستثمار المتداولة أكثر توازنا في العام الماضي، حيث اجتذبت صناديق الأسهم صافي 640 مليار دولار، أي أقل من تريليون دولار في عام 2021، لكن صناديق الاستثمار المتداولة ذات الدخل الثابت استقطبت رقما قياسيا قدره 332 مليار دولار، متجاوزة الذروة السابقة التي بلغت 282 مليار دولار في عام 2021.
هذا وتوج العام القياسي للدخل الثابت بارتفاع حاد في الرغبة في المخاطرة في الربع الأخير. وانخفضت التدفقات إلى صناديق الاستثمار المتداولة في السندات السيادية، التي هيمنت في وقت سابق من العام، إلى 31.9 مليار دولار في الربع الرابع، وهو أدنى رقم لها منذ الربع الأول من عام 2022.
ومع ذلك، ارتفعت تدفقات سندات الشركات ذات المخاطر العالية إلى 29.1 مليار دولار في هذا الربع. وكان التغيير ملحوظا بشكل خاص في السندات ذات العائد المرتفع، التي شهدت تدفقات خارجية صافية منذ بداية العام حتى تاريخه بلغت ثمانية مليارات دولار في 27 أكتوبر، لكنها حصلت بعد ذلك على 17.1 مليار دولار في الفترة المتبقية من عام 2023.
وقال شديد "إن المستثمرين كانوا يحتفظون بعوائد أعلى"، وذلك قبل أن تبدأ تلك العوائد في الانخفاض انسجاما مع توقعات التضخم وأسعار الفائدة.
هذا وقد رأى تود روزنبلوث، رئيس قسم الأبحاث في شركة فيتا في الاستشارية، أن هناك مجالا لمزيد من عمليات الشراء في المستقبل.
وقال "ما زلنا في المراحل الأولى من اعتماد صناديق الاستثمار المتداولة للدخل الثابت على مستوى العالم. لقد تبنى المستثمرون صناديق الاستثمار المتداولة ذات الدخل الثابت في بيئة ترتفع فيها أسعار الفائدة، ومن المرجح أن تكون العوائد أفضل في عام 2024 في حال بدأ مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، واستمر في خفض أسعار الفائدة، كما هو متوقع".
كما عزز "ارتفاع كل شيء" في الربع الرابع صناديق الاستثمار المتداولة في الأسهم. وحظي كل الذين ركزوا على الأسهم الأمريكية بأعلى تدفقات داخلة على الإطلاق في الربع الرابع، 197 مليار دولار، مدعومة بالرقم الشهري القياسي في ديسمبر البالغ 97.2 مليار دولار. وشهدت صناديق الاستثمار المتداولة في أسهم الأسواق الناشئة عالية المخاطر ثالث أفضل شهر لها على الإطلاق، حيث حصلت على 22.3 مليار دولار، حسبما تظهره بيانات "بلاك روك".
من ناحية القطاعات، كان عام 2023 يدور حول صناديق الاستثمار المتداولة في مجال التكنولوجيا، التي حصدت 52.2 مليار دولار، وهي تبعد سنة ضوئية عن ثاني أكثر القطاعات شعبية، القطاع المالي، بمبلغ 3.8 مليار دولار.
ومن حيث "عوامل" الاستثمار، فإن الجودة - الأسهم ذات العائد المرتفع على الأسهم، ونمو الأرباح المستقر والمديونية المنخفضة - سيطرت على المشهد، برقم قياسي بلغ 36 مليار دولار من الشراء الصافي.
نتيجة لذلك، كان صندوق آي شيرز إم إس سي آي يو إس إيه كواليتي فاكتور المتداول QUAL ضمن أفضل عشرة صناديق استثمار متداولة مدرجة في الولايات المتحدة من حيث التدفقات في العام الماضي، بقيمة 11.1 مليار دولار، كما قال روزنبلوث، لأن الأسهم عالية الجودة "حققت أداء جيدا في بيئة اقتصادية غير مؤكدة". وحقق صندوق QUAL عائدا بنسبة 30.9 في المائة في العام الماضي، متغلبا على مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بـ4.6 نقطة مئوية.
كما أن الصناديق التي تستهدف الأسهم "ذات القيمة" الأرخص، جمعت 5.3 مليار دولار فقط، وهي أدنى قراءة منذ أربعة أعوام، في حين خسرت صناديق الاستثمار المتداولة ذات الحد الأدنى من التقلبات 16.4 مليار دولار.
هذا وتراجعت شعبية صناديق الاستثمار المتداولة التي تستثمر على أساس الاهتمامات البيئية والاجتماعية والحوكمة. حتى في قلب أرضها الأوروبية، لم تمثل سوى 29 في المائة فقط من تدفقات صناديق الاستثمار المتداولة في العام الماضي، مقارنة بـ61 في المائة في عام 2022، وفقا لشركة إنفيسكو.
وبعيدا عن الاهتمام أيضا كانت هناك صناديق الاستثمار المتداولة في السندات المرتبطة بالتضخم، التي خسرت مبلغا قياسيا بلغ 20.7 مليار دولار، حيث أدى تراجع التضخم إلى تآكل جاذبيتها.
وقال روزنبلوث "إن صندوق آي شير تيبس بوند للاستثمار المتداول TIP وحده سحب منه مبلغ 4.5 مليار دولار، لأن المستثمرين كانوا أقل قدرة على حماية أنفسهم من البيئة التضخمية في عام 2023".
وربما كان تباطؤ التضخم أيضا عاملا في استمرار معاناة المنتجات المتداولة في بورصات السلع، التي خسرت 15.4 مليار دولار، وهو ثالث عام لها على التوالي من التدفقات الخارجة. فيما شكلت صناديق الذهب الجزء الأكبر من هذا المبلغ، حيث نزفت 13.5 مليار دولار، وهي ثاني أسوأ حصيلة على الإطلاق، في حين خسرت أدوات السلع الأساسية ثلاثة مليارات دولار، وهو أعلى مستوى على الإطلاق.
وقال ماثيو بارتوليني، رئيس أبحاث إيصالات الإيداع من "ستاندرد آند بورز" للأمريكتين في شركة ستيت ستريت جلوبال أدفايزرز "بالنظر إلى الأداء الإيجابي للذهب، يمكن اعتبار هذا الاتجاه المتمثل في خفض التخصيص فرصة ضائعة من قبل مستثمري صناديق الاستثمار المتداولة".
وقارن شديد الذهب بأسهم القيمة، من حيث أن كليهما يميل إلى سحب الأموال خلال فترات التضخم، لكنه مع ذلك فوجئ بعدم شعبية منتجات الذهب المتداولة في البورصة، نظرا لارتفاع السعر بنسبة 13 في المائة العام الماضي. وأضاف "لقد انهار الارتباط بين الاثنين".
ورأى شديد أسبابا دفعته إلى الاعتقاد أن البيئة الصعودية قد تستمر حتى عام 2024.
وقال "إن لدى ارتفاع المخاطرة مزيدا من الزخم إذا أخذت في الحسبان أن هناك كثيرا من النقد على الهامش يمكن ضخه في الاستثمار"، حيث اجتذبت صناديق أسواق المال الآمنة أولا ما يقرب من تريليوني دولار في العام الماضي، ما دفع أصولها إلى ثمانية تريليونات دولا، بينما ارتفع متوسط المخصصات النقدية في محافظ الثروات في أوروبا من 3 في المائة في عام 2021 إلى 8 في المائة.
كان روزنبلوث متفائلا أيضا، لكنه توقع تغيرا في تفضيلات الأسهم. حيث قال "أعتقد أننا سنشهد طلبا كبيرا وأداء قويا للاستثمار في الأسهم ذات القيمة. حيث تميل (هذه الأسهم) إلى الأداء بشكل أفضل في بيئة أسعار الفائدة المنخفضة. وتعد كل من المالية والسلع الاستهلاكية الأساسية والطاقة مفضلة في استراتيجيات القيمة".
ومع ذلك، حذر شديد من أن وجهة نظر صندوق بلاك روك هي أن تخفيضات الفائدة الستة المقرر إجراؤها في الولايات المتحدة هذا العام "مبالغ فيها".
وقال "نحن لسنا في معسكر ينخفض التضخم فيه بلطف. إن معروض العمالة ضيق في الولايات المتحدة".
وعلى نطاق أوسع، "من الصعب القول، من منظور كلي، إنه لن تكون هناك أي تقلبات هذا العام"، وهو ما قد لا تتمكن البنوك المركزية من المساعدة فيه، على عكس أيام التيسير الكمي.
وقال شديد "هذه هي الرياح المعاكسة لارتفاع المخاطرة الذي شهدناه في الربع الرابع".
كما شاركه بارتوليني هذه المخاوف. وقال "إن أسواق الأسهم الأمريكية، المحرك وراء الارتفاع على عوائد الأسهم العالمية، تدخل عام 2024 بتقييمات أعلى من قيمتها الأساسية. ومن المرجح أن تشتد المخاطر الجيوسياسية، نظرا لأن 76 دولة ستجري انتخابات في عام 2024".